القول ان الاقتصاد السعودي يحتاج الى التركيز على جذب التقنية الحديثة وليس رأس المال الاجنبي، يتناقص مع الرؤية الاستراتيجية لاستحقاقات التنمية الاقتصادية، ويتعارض مع الواقع الذي تعكسه الاحصاءات الدولية التي تشير الى ان الاستثمارات الاجنبية المباشرة كانت عاملا اساسيا في التنمية الاقتصادية عالميا وفي الاقتصادات المستقلة على وجه الخصوص. وتشير الاحصاءات الدولية ايضا الى ان الدولتين السباقتين في اجتذاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة، وكذلك في التدفقات الخارجية، هما الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا وكلتاهما من اهم مصادر التقنية الحديثة في الوقت الحاضر. وتؤكد الاحصاءات الدولية ان الولاياتالمتحدةالامريكية ودول الاتحاد الاوروبي واليابان يستأثرون حاليا بنصيب الاسد من التدفقات الداخلة بنسبة 71 بالمائة ومن التدفقات الخارجة، بنسبة 82 بالمائة وهم وطن 90 بالمائة من الشركات العالمية. والسطر الاخير في هذه الاحصاءات يقول: انه في المنافسة الدولية لا توجد دولة لديها التمويل الرأسمالي الكافي الذي يمكنها من السير وحدها بنجاح في طريق التنمية الاقتصادية الطويل. اليس هذا سببا كافيا لان نجتهد في جذب الاستثمارات الاجنبية؟ الاجتهاد شرط ضروري ولكنه شرط غير كاف، اذ يتطلب الامر ان يوفر الاقتصاد مناخا مواتيا ومناسبا لجذب الاستثمارات الاجنبية، وهذا ما يتطلب مرونة في الانظمة التي تحكم الاستثمارات الاجنبية والاجراءات التي تخضع لها وقد اسهم نظام استثمار رأس المال الاجنبي الجديد وانشاء الهيئة العامة للاستثمار في تفعيل هذا الجانب الى حد ما، الا ان ما تحقق على ارض الواقع لا يرقى الى مستوى التطلعات التي يرى الاقتصاديون انها مناسبة لحجم الاقتصاد السعودي، باعتباره الاقتصاد العربي الاكبر، وقدرته الحقيقية على جذب الاستثمارات الاجنبية. ولعل هذا يستدعي اعادة النظر في النظام وآلية التعامل مع الاستثمارات الاجنبية للقضاء على المعوقات القائمة. والمعوقات القائمة كثيرة جدا، بل ان تقريرا صدر عن الهيئة العامة للاستثمار في العام الماضي رصد 106معوقات. وبقاء هذه المعوقات دون حل او معالجة يعطي بعض الاقتصادات المجاورة ميزة تمكنها من الاستمرار في ان تكون مركز جذب واضح للاستثمارات الاجنبية، وذلك على حساب الاقتصاد السعودي.