تعتبر مَحاضر اللجنة الفدرالية للسوق المفتوحة من عام 2008، والتي صدرت يوم الجمعة، تذكرة صارخة بالضرر الذي وقع نتيجة للأزمة المالية والخيارات الفظيعة التي تواجه صنّاع السياسة عندما تفشل مؤسسات مالية كبيرة ومعقدة. في اجتماع حاسم في السادس عشر من أيلول (سبتمبر) 2008 - أي في اليوم التالي لإعلان إفلاس بنك ليمان براذرز - لخص توم هونيج، وهو رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي لمدينة كانساس في ذلك الوقت، المشكلة بإيجاز بليغ: «اعتقد أنه يغلب علينا أن نستجيب بإجراءات خاصة تتخذ خصيصاً من أجل الأزمة، وليس لدينا خيار في هذه المرحلة. لكن حين تنظر إلى الوضع، يجدر بنا، بدلاً من أن نبقى عشرة أعوام ونحن في حالة إنكار لمشكلة الشركات التي هي أكبر من أن تفشل، أن نعترف بها وأن يكون لدينا برنامج جاهز للحراسة القضائية والتدخل». ثم حذّر هونيج قائلاً: «نحن في عالم فيه شركات أكبر من أن تفشل، ولأن الأمور أصبحت أكثر تركيزاً فيما يتعلق بهذ الواقعة، فإنها ستصبح حتى أكبر من ذلك بكثير». اتفق معه في ذلك بين بيرنانكي، رئيس مجلس البنك، وأشار قائلاً: «نحن بحاجة لنظام واضح وقوي، محدد مسبقاً بشكل جيد. لكن المشكلة القائمة الآن أنه لا يوجد لدينا مثل هذا النوع من النظام، ونحن نتعامل مع هذه العواقب الخطيرة جداً على أساس يومي. لذلك فهي مشكلة صعبة». عمل قانون دود فرانك لعام 2010 على إنشاء نظام من هذا القبيل. وقد استجابت الهيئات التنظيمية، وهو تصرف تُحمَد عليه، من خلال تطبيق الحظر القانوني الذي يمنع استخدام أموال دافعي الضرائب لإبقاء المؤسسات التي فشلت قائمة، وكذلك من خلال خلق عملية شفافة واضحة المعالم لإدارة إخفاقات الشركات المالية الكبيرة التي تؤثر على النظام المالي بأكمله. مع ذلك، حتى مع التقدم المعقول، لا تزال هناك شكوك حقيقية حول نهاية الشركات الأكبر من أن تفشل. أحد الأسباب هو أنه لا يزال أمام الهيئات التنظيمية تنفيذ العديد من الإصلاحات الجوهرية قبل الفشل التالي. لكن هناك سببا آخر، وهو أن الجمهور والأسواق، بكل بساطة، لا يصدقون أن الحكومة تستطيع أن تسمح، أو أنها ستسمح، للشركات الضخمة التي من هذا القبيل بأن تنهار حين يأتي الزمن لذلك. من الناحية الموضوعية، تظل هناك مخاطر حقيقية. وعلى الرغم من أن قانون دود فرانك خلق سلطة جديدة للتصفية المنهجية من أجل المؤسسات الضخمة التي تنطوي على تهديد للنظام المالي في حال فشلها، إلا أن هذه السلطة ينبغي أن تكون مسانِدة فقط. إن الهدف الحقيقي من السياسة يجب أن يكون ضمان أن هذه المؤسسات بإمكانها الفشل مثل كافة الشركات الأخرى -من خلال عملية إفلاس معيارية، بدون الحاجة لدعم الحكومة. لقد أوضح قانون دود فرانك هذا في القسم 165 حيث يقتضي من الشركات أن تقدم بصورة منتظمة طلبات للسلطات المالية من باب «الوصية الحية»، التي يجب أن تبين أن تلك الشركة المالية، في حال إفلاسها، يمكن أن تفشل بصورة معقولة، بدون أن تُحدِث اضطرابات تمتد لتؤثر على النظام بأكمله. وإذا لم تتمكن الشركة من بيان ذلك على نحو من الصدقية، فإن القانون يعطي الهيئات التنظيمية الصلاحية للحد من نشاطاتها أو العمل على تقسيمها. لكن لا يوجد دليل على أن هذه المؤسسات الكبيرة قد حققت تقدماً موثوقاً نحو إعادة هيكلة نفسها بحيث يمكن أن تفشل مثل أية مؤسسة أخرى. فهي لا تزال ضخمة، ومعقدة، ومترابطة ومتشابكة في مشتقات عبر بلدان كثيرة. وبالتالي فإن فشلها في حالة الإفلاس ربما سيؤدي إلى تعطيل العديد من الخدمات الأساسية التي تحتاجها الأسواق لتعمل. وبالمثل، في حين أن عملية المساندة في التصفية المنهجية ضرورية للحماية ضد اللجوء إلى أسلوب عمليات الإنقاذ على غرار عام 2008، إلا أن هناك أجزاء مهمة من هذه العملية لا تزال غير مكتملة. وتوفر هذه الثغرات فرصاً متاحة للأطراف التعاقدية المقابلة وحاملي السندات للتلاعب بالنظام داخل البلاد، وأن تترك عوامل اللبس القانونية في الخارج. بالنظر إلى كل هذا، ينبغي أن لا نفاجأ إذا استمرت الأسواق بالشك في أن مساهمي هذه المؤسسات والأطراف المقابلة لها سيكونون مسؤولين بالكامل عن خسارتهم. وما يجعل الأمور أسوأ من ذلك، فإن شكوك الأسواق يمكن أن تؤدي إلى خلق مزايا تمويل تعمل على تشجيع الشركات المالية الأكبر من أن تفشل لتصبح أكبر حتى من ذي قبل -وتصبح الصناعة حتى أكثر تركيزاً بكثير. بهذه الطريقة، يمكن أن تصبح الشركات الأكبر من أن تفشل تحقق ذاتها بذاتها. إحدى الطرق للمضي قُدماً هي بقبول الواقع: من خلال سن القوانين اللازمة للقضاء على التلاعب بسلطة التصفية المنهجية وعملية الإفلاس، والسماح للسوق برؤية الأمور بنفسها. هذا يعني فرض قيود فعّالة بسيطة وقوية على الرفع المالي، وعملية استيعاب ذات مغزى للخسارة على مستوى الشركة القابضة. وهو ما يعني جعل المؤسسات تعمل على تبسيط هياكلها بحيث تكون قابلة للحل فعلاً بدون عمليات إنقاذ، أو انهيارات السوق أو تقييمات تتأثر بها بقية الصناعة. ويعني ذلك أيضاً أنه يجب على الهيئات التنظيمية تحسين الشفافية بحيث يصبح بإمكان الجمهور والأسواق أن يقرروا بأنفسهم إذا كانت التغييرات تبدد شكوكهم فيما يتعلق بالشركات الأكبر من أن تفشل. إن الوصايا الحية، على النحو الذي هي موجودة عليه حالياً، وطلبات الإفصاح العامة المقدمة لهيئة الأوراق المالية والبورصات، لا توفر المعلومات التي يحتاجها المساهمون والأطراف المقابلة لتقييم ما إذا كانت هذه الشركات قد أصبحت أقل أثراً من الناحية المنهجية على النظام، وأقل ترابطاً وأكثر قابلية للحل. كما أن فهم السوق بشكل أفضل للطريقة التي ستقوم بها الهيئات التنظيمية على حل هذه المؤسسات الكبيرة والمعقدة، ينبغي أن يكون لديه تأثير موازِن في المرة المقبلة التي تتورط فيها إحدى هذه الشركات في المشاكل. لقد تم إحراز تقدم جيد، لكن الأسبوع الماضي كان تذكرة صارخة بالمخاطر. وعندما يتعلق الأمر بالشركات الأكبر من أن تفشل، فإن الأفعال يعلو صوتها على صوت الكلمات. إيرا ميلستين، هو شريك أول في شركة وايل وجوتشال ومانج، وعضو في مجلس المخاطر المنهجية، وهي مجموعة مستقلة تتألف من الأعضاء السابقين في الأجهزة التنظيمية ومن خبراء السياسة المالية والاقتصادية، وتراقب عملية الإصلاح التنظيمي. وريكاردو دلفين هو المدير التنفيذي المسؤول أمام رئيس مجلس إدارة مجلس المخاطر المنهجية.