تحدثت في زاوية أمس الأربعاء، عمّا وراء الانهيار المالي الأمريكي والدولي، وما وراءه من فساد ذريع، ضرب في عمق المؤسسات المالية والمصرفية العملاقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وما أصاب قياداتها العليا من جشع دفعهم إلى النصب والتزوير والاحتيال. لقد بادر الرئيس الأمريكي أوباما، فأعد مع مساعديه أضخم مشروع قانون لإصلاح الرقابة على سوق المال، وإحكام نظام الضبط المالي على وول ستريت، منذ مرحلة الكساد الكبير التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهذه هي المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي تخضع فيها المصارف الأمريكية للرقابة المكثفة والترويض. * * * ويهدف القانون الواقع في أكثر من 2300 صفحة، ويحمل اسم دود آند فرانك -اسم معديه الرئيسين السيناتور كريس دود، والنائب باربي فرانك- إلى توسيع مراقبة عناصر الضبط، إلى قطاعات كاملة من النظام المالي كانت غير مراقبة، كما ينص على إنشاء هيئة حماية مستهلكي المنتوجات المالية في البنك المركزي، ومنع إنقاذ كبرى المؤسسات المالية على حساب دافعي الضرائب، ويهدف القانون أيضًا إلى منع تكرار ما حدث من انهيار اقتصادي، والذي أدى إلى انهيار مؤسسات عملاقة مثل ليمان براذرز. * * * لقد وافق مجلسا الكونجرس النواب والشيوخ بأغلبية كبيرة على الصيغة النهائية للقانون، وأكد الرئيس باراك أوباما أن هذه الإصلاحات تمثل أقوى إجراءات في تاريخ حماية المستهلك في القطاع المالي، وستنفذها جهات رقابية استهلاكية جديدة لها وظيفة واحدة، هي رعاية مصالح المستهلكين في النظام المالي، لا مصالح المصارف الكبيرة أو المقرضين أو بيوت الاستثمار. وهذا ليس جيدًا فقط للمستهلكين، لكن أيضًا للاقتصاد الكلي والعالم. وقال الرئيس أوباما إن تطبيق الإصلاح سيضع حدًا للصفقات المريبة، التي قادت النظام المالي الأمريكي إلى أزمة 2008، وأغرقت البلاد في الفوضى، واعتبر أن القانون سيساعد على بناء اقتصاد مبتكر وخلاق وتنافسي، يكون أقل عرضة للبلبلة، ولن يلزم دافعي الضرائب بدفع ثمن أخطاء شركات وول ستريت العملاقة. * * * تلك دروس عميقة وأجراس إنذار عالية للشعوب الصغيرة، تؤذن بإفلاس النظام الرأسمالي وفشله الأخلاقي، خاصة وأن الأثمان الفادحة لكل ذلك لا تدفعها النخب الفاسدة المفسدة، وإنما يدفعها السواد الأعظم من الناس، من قوت يومهم ومقومات حياتهم ومستقبل أبنائهم.