التقرير السنوي الثالث للتنمية البشرية في العالم العربي بدئ فجأة للقائمين على البرنامج الانمائي للأمم المتحدة غير علمي ومشبوها وعليه فهو غير صالح للنشر.. وبررت المنظمة قرار عدم نشر التقرير لافتقاره للحيادية والمعايير المنهجية الصارمة.. وفي المقابل علق نادر فرجاني الباحث المصري المسؤول عن التحرير وعدد من زملائه على قرار حجب المنظمة للتقرير الثالث عن اوضاع التنمية في العالم العربي بانه نتيجة طبيعية لغضب الحكومة الامريكية من الانتقادات التي تضمنها التقرير عن احتلال العراق واوضاع العراقيين المزرية، وعن الممارسات القمعية لاسرائيل في الاراضي الفلسطينية وما يتعرض له الفلسطينيون من تقتيل وحصار منذ وصول شارون للسلطة.. ولعلم القارئ الكريم فقد صدر هذا التقرير عامي 2002 و2003 عن اوضاع الحريات والحقوق والبرامج التنموية في منطقتنا العربية.. وسبق وأبدت انزعاجها العديد من الانظمة العربية لما ورد في التقريرين السابقين من مغالطات وتشويه لاوضاعها الداخلية.. ومع هذا يبدو انها لم تفلح في اقناع المنظمة الأممية ومكاتبها الانمائية في العالم للمراجعة والتدقيق فيما تضمنته تقاريرها من وجهات نظر او آراء قد تحتمل الصحة والخطاء.. بل يبدو ان المنظمة لم تلق بالا لتلك الاحتجاجات حينئذ، لثقتها في الباحثين والمراكز التي تكلف من قبل مكاتب الانماء لانجاز تلك التقارير التنموية.. الغريب بطبيعة الحال، ان هذا التقرير نفسه اعتمدت الادارة الامريكية على معطياته البيانية والتحليلية في مبادرتها الاصلاحية التي عرفت باسم الشرق الاوسط الكبير..! السؤال هنا كيف تحول التقرير من الثقة والمصداقية للشبهة وعلامات الاستفهام؟! بطبيعة الحال، التفسير الوحيد لذلك هو تحميل ادارة الرئيس بوش مسؤولية ما يحدث للعراق والعراقيين من معاناة وتدهور بسبب الاحتلال الامريكي.. والتفسير الذي يبدو منطقيا هو الاخر، تجريم الدولة الخارجة على القانون في المنطقة والتي تمارس بحق الفلسلطينيين ابشع صنوف ارهاب الدولة.. ما تتعرض له الاممالمتحدة من ابتزاز او مقايضات في الخفاء من القوة الاعظم اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، يمارس بمنتهى العجرفة على كل من يختلف مع واشنطن بدءا من الحلفاء مرورا بالاصدقاء ونهاية بعسكر الاشرار.. ويبدو ان المنظمة الاممية لديها من الذكاء ما يجعلها تحني هامتها امام اعصار العم سام.. خاصة وانها تحت مبضع الجراح هذه الايام بمشكلة النفط مقابل الفساد كما يقال.. على العالم ان يفهم ألا يأخذ مفاهيم الحرية والديموقراطية بمعانيها المتعارف عليها لان كل شيء نسبي وبراجماتي ايضا.