دائما ما يسلط الأعلام العربي والغربي على أدوار القوات الأمريكية بأفرعها في الوحل العراقي الذي غاصته بإرادتها الذاتية دون استئذان من الشرعية الدولية مع غض النظر عن حليفها الاستراتيجي في المنطقة وحول العالم ألا وهو الوجود البريطاني في البصرة بداية الغزو ومن ثم إعادة الانتشار في محيط بغداد للقضاء على ما يزعم بمثلث الموت. إن المملكة المتحدة أو بريطانيا العظمى سابقا قد رضيت في عهد توني بلير رئيس وزرائها العمالي الحالي أن تكون تابعة على نقيض جارتها فرنسا وألمانيا وبعض دول الاتحاد الأوربي التي آثرت سيادة القرار الوطني المستند الى الكرامة والمصلحة الوطنية وأسس العلاقات الدولية وتحقيق المصالح والأمن لشعوبها وحفظ دماء جنودها ونظرة العالم تجاهها على الغوص بعيدا في المياه الدافئة الغنية بالبترول لإعادة مجد مفقود سبق وأن عانى بمثل ما يعاني منه الآن من دماء وضحايا وفكر استعماري لشعوب مستضعفة وسلاح الرجل الأبيض الذي يطارد فرائسة دونما هوادة. إننا في العالم العربي نعرف عن قرب بعضا من جماهير الشعب البريطاني من خلال صفوتها الأكاديمية والطبية والعمالية التي نظمت صفوفها وفكرها واستقلت بقرارها عن الآخرين، والتي هي على النقيض من سياسة حكومتها الراهنة وشاركت في مظاهرات احتجاج في العاصمة لندن من كل المدن والأرياف ولا تزال تندد بالصلف والاستكبار الذي راح ويروح يوميا ضحيته شعب أعزل ينشد السلام والاستقرار والنماء والازدهار أسوة بشعوب العالم في كل المحيطات منذ ما ينيف على العقدين من الزمان، وقد أبلت بلاء حسنا لم تقدر الشعوب العربية الثلاثة والعشرون قاطبة أن تبوح وتستنكر بمثله ولغاية الغد. إن القوات البريطانية وبناء على وجودها ودعمها اللوجيستي اللا محدود للقوات الأمريكية قد شاركت بإرادتها وطوعها في حملة ابادة وعقوبات جماعية مخالف لأيدلوجيتها الفكرية والديموقراطية التي تنادي بها من خلال المنظمات الحقوقية الإنسانية لشعب أعزل في الفلوجة والموصل وسامراء بحيث تؤدي نفس الأدوار التي كان يقوم بها الرئيس المخلوع أمريكيا صدام حسين في حربه ضد أهل الشمال والجنوب سواء بالكيماوي أو القنابل المحرمة والأسلحة الفتاكة والتجويع والحصار المكثف والحرمان من وسائل الإنقاذ الطبي المسموح به في كل الشرائع البشرية. إننا في العالم العربي لننظر بمزيد من الاستهجان للكيل بمعيارين مختلفين من قبل الحكومة البريطانية، فمن جهة تشارك في ابادة الشعب العراقي وكرامته واقتصاده وازدهاره وبنيته التحتية ضاربة عرض الحائط بالأصوات التي تنادي بالسلم العالمي ونبذ إرهاب الدول المنظم، وفي الوقت نفسه تلوي مع الاتحاد الأوربي عنق تركيا للانضباط وتصحيح سجلها في مجالات حقوق الإنسان، فأي نظرة ثنائية الجانب تعيشه الحكومة العمالية الحالية؟ وإننا وبمناسبة قرب انعقاد اللقاء السنوي للمبتعثين السعوديين لبريطانيا والذي يديره المجلس الثقافي البريطاني في المنطقة الشرقية وبقية المناطق كل عام. أوصي نفسي وأخواني أفراد الملتقى للوقوف دقيقة صمت واحدة قبل الكلمة الافتتاحية حزنا وألما وحدادا على القتلى من إخواننا العراقيين أطفالا ونساء، شيوخا وركعا سجدا لإيصال رسالة ضمنية أننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وان الدول الكبرى اقتصاديا وعسكريا وعلميا يجدر بها على أقل تقدير تحقيقا لتراثها الديموقراطي الحديث أن تكون أنموذجا يحتذى، لا استنساخا مطورا للجينات الوراثية لبعض من القبائل في أفريقيا السمراء.