معنى كلمة (أثف) ثبت واستقر، ومن هذا الجذر اللغوي صيغت (الأثفية) وهي أحد أحجار ثلاثة توضع عليها القدر، وجمعها أثاف، وثالثة الأثافي حرف الجبل يجعل إلى جانبه أثفينتان، ويقال رماه بثالثة الأثافي، أي بداهية كالجبل. على هذا يمكن اعتبار الاثافي دليلا على السعة حتى الكرم وعلى الضيق حتى البخل إذ كلما كبرت القدر كبرت الأثافي وبالعكس تماما مثل كثرة الرماد وقلته عند البلاغيين. رحف الجبل أي طرفه يمكن أن يكون الأثفية الثالثة، لكن هل يمكن أن تكون الأثافي الثلاث كلها جبالا؟ يمكن ذلك بسهولة حين نتصور قدرا واسعة سعة بلد كامل ونتصور جبالا ثلاثة متقاربة تثبت القدر عليها، وهنا سوف يكون ما يطبخ في هذه القدر سائغا شهيا، سواء كان كبسة او كان شيئا معنويا آخر. ابن خلدون اتخذ من الأثافي دليلا على جهل العرب وتوحشهم وبعدهم عما سماه (العمران) فقال:(الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم، فصار لهم خلقا وجبلة، وكان عندهم ملذوذا لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة، وهذه الطبيعة منافية للعمران, ومناقضة له، فغاية الأحوال العادية كلها عندهم: الرحلة والتغلب، وذلك مناقض للسكون الذي به العمران، ومناف له، فالحجر مثلا إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي للقدور فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونها لذلك). هل الوعي يحتاج إلى أثاف لإنضاجه؟ أعتقد ذلك، فعلى الرغم من ذهاب أثافي القدور إلى مثواها الأخير، بقيت أثافي الوعي الثلاث وهي: الماضي والحاضر والمستقبل قائمة: فما لم يكن الوعي وعي الأمة قائما على هذه الأثافي لن ينضج وعي ولن يكون تقدم. ابن خلدون حصر اهتمام العرب ببطونهم فهم مستعدون لتهديم إيوان كسرى للحصول على أثاف لقدورهم، وقد حدثت هذه المحاولة منهم كما يذكر التاريخ، ولكنه لم يلتفت إلى أنه ليس الأكل وحده يحتاج إلى إنضاج، بل إن الجسد والروح والوعي والضمير كلها تحتاج إلى إنضاج من نوع خاص.