في مقالة الأسبوع الماضي كنت قد تحدثت بالتحليل النقدي عن الأسباب التي تؤدي الى كره الأبناء للذهاب الى مدارسهم وكنت قد وعدت في مقالتي هذه التعاطي مع الأسباب التي تحبب الأبناء في الذهاب الى مدارسهم. ويبدو للقارئ أنني سأتحدث عن عكس ما تحدثت به في مقالة الاسبوع الماضي كون الكره نقيض الحب ولكني آثرت أن أتناول عبر هذه المقالة العديد من المحببات والتي أجزم بأنها لو توافرت في مدارسنا لذهب الأبناء الى المدارس برغبتهم دون ضغط. وأول ما سأتطرق اليه هو الركن الأساسي للعملية التعليمية والأداة الانسانية للوصول الى أهدافها وهو المعلم. ان المعلم هو الذي يملك أن يجيش الرغبة لدى الأبناء للذهاب الى المدارس دون ضغط اذ ينبغي على المعلم ألا يفاجئ الطالب باللاءات ويتيح له الفرصة للتعبير عن رأيه ووجهة نظره ويصغي لها باهتمام حيث ان الكثير من الأبناء يفتقدون الى من يسمع لهم ويحاورهم بلغتهم سواء في محيط الأسرة أو المجتمع. ويدرك المعلم أن الترمومتر الحقيقي لاستيعاب الطالب للمادة العلمية هو مدى حبه للمعلم فالنظريات التربوية تؤكد أن قبول الطالب للمعلم له تأثير كبير على استيعابه العلمي. ولعلنا نلاحظ على أبنائنا عند عودتهم من المدارس وهم يشيدون بمعلم ويحرصون على حضور حصته في حين لا يشيدون بآخر ويتهربون من حضور حصته. اذا على المعلم أن يوجد مع طلابه علاقة تربوية ويكسب ثقتهم ومتى ما تم ذلك فإن الطالب بالتأكيد يحرص على التفاعل معه. وتكمن المشكلة في أن صفة تقبل المعلم من قبل الطالب صفة شخصية موروثة وليست مكتسبة اذ تشكل جزء كبيرا من شخصية المعلم التربوية ومن هنا تأتي أهمية الدور الهام لمعايير اختيار من يرغب في الالتحاق بمهنة التعليم. وللمعلم دور كبير في إيجاد بيئة تفاعلية داخل الفصل من خلال ايجاد جو ديموقراطي تربوي يكون للطالب فيه دور لتحقيق أهداف العملية التعليمية والتربوية. وعندما يزداد شعور الطالب بهذا الدور تزيد حدة انتمائه للمدرسة وبالتالي يحرص على الحضور اليها. وفي هذه المسألة يذكرني أحد الأصدقاء عندما قرأ مقالة الاسبوع الماضي في أن ابنته تساوم والدتها على الذهاب الى المدرسة وتصر على حصولها على عشرة ريالات يوميا وهاتف جوال مقابل ذهابها الى المدرسة بل ويزيد صاحبنا أن ابنته تصرح له بأن مسألة ذهابها الى المدرسة هو قرار بيدها وليس بيد أسرتها. والمسألة الاخرى التي تحبب الأبناء في المدارس هي إيجاد بيئة تعليمية بدلا من تدريسية فكون الطالب يذهب الى المدرسة لكي يتلقى العلوم من المعلم فقط ولا يعطى الفرصة لكي يتعلم من مصادر أخرى في المدرسة كالأقران من الطلاب أو المكتبة أو الأنشطة اللاصفية مما يجعل منه متلقنا اكثر من كونه محللا وناقدا كما تزيد من اتكاليته على هذا المعلم وبذلك تقتل ملكات الابداع والتفكير فيه مما يجعل من الطالب وكأنه وعاء عليه استيعاب ما يملى عليه وهذا يجعل بيئة المدرسة مملة للطالب كونه لا يشارك في تكوين نفسه وتطوير قدراته. ان تنوع مصادر التعلم من شأنه أن يزيد من حدة التفاعل بين الطلاب والمدرسة. تصنع القرارات المدرسية من ادارتها أو من المعلم دون مشاركة الطالب في صناعة هذه القرارات بالرغم من أن تأثيراتها تقع على الطالب مباشرة وهو الذي يتأثر بها لذلك لا تطبق العديد من القرارات وتظل حبرا على أوراقها حتى الأنشطة اللاصفية التي يمارسها الطالب تفرض عليه فرضا من المعلم وتظل تحت مراقبة المعلم. ولعل هروب الكثير من الطلاب من حصص النشاط لهو دليل على ذلك لذا ينبغي على الادارة المدرسية أن تشارك الطالب في صناعة قرارات الادارة المدرسية بل يجب أن تنبع من احتياجاته وتشبع رغباته حتى يشعر بأنه جزء من هذه المناشط ويزيد من تفاعله بها. وتتصدر تقنية المعلومات قمة الوسائل المحببة لجذب الطالب للمشاركة في تحقيق أهداف العملية التعليمية من خلال تدريس بعض المقررات بواسطة الحاسب الآلي Computer Assisted Learning (CAL) اذ يعد ذلك وسيلة ذلك هامة لجذب الطالب للتعلم بل انها مصدر هام من مصادره. يقضي الطالب أكثر ساعاته في المدرسة ويثقل كاهله بالواجبات المدرسية التي تحرمه من متعة المرح واللعب في المنزل، وأعرف طلابا يقضون جل أوقاتهم مع أسرهم لإكمال هذه الواجبات الأمر الذي يجعل الطالب أسيرا للمعلم في البيت أو المدرسة لذلك يعتقد أن المعلم تسبب في حرمانه من اللعب واللهو حتى خارج أوقات الدراسة. فهل من الضرورة اثقال الطالب واشغال الأسرة بكاملها لأداء هذه الواجبات المدرسية، وهل هناك دراسات تؤكد اثر هذه الواجبات على زيادة التحصيل العلمي للطالب واذ بي أحسب أن تخفيف هذه الواجبات أو حتى الغاءها عنصر هام من عناصر جذب الطلاب الى المدرسة كونها لم تعد استنفارا كاملا طيلة أيام الاسبوع. وقد يتساءل المعلمون هنا عن أن ما ذكرته من عناصر ترغيب الطالب في المدرسة هو أقرب منها الى المثالية وتحتاج الى بيئة تربوية مثالية تتوافر فيها الامكانات والوسائل التعليمية لكي يتحقق ذلك.. قد تكون هذه الفرضية سليمة الى حد كبير ولكن من جانب آخر أعتقد أن المعلم بالامكان أن يعمل على الأخذ بهذه العناصر وفق ما هو متاح اذا سلمنا بأن المعلم هو المحور الرئيسي للعملية التعليمية.