الوضع الحالي أمر رهيب فرضه علينا متعصبون من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي... كان يمكن، خلال عدة أشهر، القول إننا على طريق العودة إلى الحياة الطبيعية، فلقد نجح جهاز "الشاباك" بمنع وقوع عمليات، ارتفع عدد السياح بنسبة كبيرة، سافر عدد أكبر من الجمهور الإسرائيلي إلى الخارج، كانت الشواطئ والمواقع السياحية في الجليل والنقب تغص بالبشر، امتلأت الفنادق، وكذلك المطاعم والمقاهي. كدنا ندمن على برامج التلفزيون التي بثت وقائع الأولمبياد من أثينا، والمفاخرة بالميداليات التي حصل عليها رياضيونا، كان يمكن التداول بارتياح في افتتاح السنة الدراسية، وفي التعيينات السياسية من قبل وزراء "الليكود". باختصار، كان يبدو لنا أن الحياة عائدة إلى مجراها، لأن الانتفاضة تشهد مرحلة تراجع. واستمر الوهم حتى وقعت العملية القاتلة في بئر السبع، أمس الأول. فمرة أخرى عادت مشاهد إخلاء المصابين المؤلمة، وتظاهرات الغضب الإسرائيلية وتظاهرات الفرح لدى الفلسطينيين. ومرة أخرى علت أصوات تدعو إلى الانتقام المؤلم، وعادت المداولات الليلية للطاقم الوزاري الأمني حول سبل الرد. وكما لو أن الألم لا يكفي، بدأ سياسيون من اليمين باتهام رئيس الحكومة وخطته للانفصال، بتشجيع المسلحين على تنفيذ العملية الاجرامية. واتهم آخرون محكمة العدل العليا لأنها تمنع استكمال بناء الجدار الفاصل. تم تطويق الخليل-وباتت عملية الانتقام على الطريق. بعد ذلك ستأتي عملية انتقام أخرى رداً على الانتقام، وسيتكرر المشهد، لا سمح الله. عدنا إلى الدائرة الدموية. سيقولون لنا، مرة أخرى، إن عرفات يتحمل المسؤولية كلها ويجب طرده، أو يجب تأجيل خطة فك الارتباط إلى أجل غير مسمى، حتى انتهاء الإرهاب، لكن الإرهاب لن يتوقف، ودائرة الدماء لن تنقطع. حتى إذا انفصلنا، وحتى إذا استكمل بناء الجدار في منطقة الخليل، سيجد المسلحون ثغرة يتسللون عبرها. وإذا لم يعثروا على ثغرة-سيقومون باستخدام الصواريخ كما يفعلون اليوم، في منطقة سديروت، أو سيتسللون عبر الأنفاق، كما يفعلون، اليوم، في منطقة رفح. لقد اضطر أعداء ألداء، كالهند والباكستان، إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات لأنهم يعرفون أن الصراع الطويل والمر بينهما لا يمكن حله بالقوة. وهذا ما يحدث في قبرص وفي ايرلندا الشمالية. قد يكون هذا القول مستهلكًا لكنه حقيقة-هناك حاجة إلى المفاوضات والاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة، وإلا ستتغلب غريزة الانتقام، دائماً، على الرأي الموزون وعلى العقل. سيواصل المهووسون، أولئك الذين يرقصون على السطوح في جانب واحد، وأولئك الذي يطالبون بإنزال العقاب المؤلم، في الجانب الآخر، إملاء الجدول اليومي لدى الشعبين، طالما تواصلت القطيعة بينهما. سيتواصل سقوط آلاف الضحايا الأبرياء، هنا وهناك، طالما واصل القادة في الجانبين، التصريح بأنه لا وجود لمن يتم التحدث إليه. الوضع الحالي إنه أمر رهيب فرضه علينا متعصبون من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. متعصبو الأرض الكاملة الذين يرفضون التوصل إلى أي تسوية، الفلسطينيون، في معسكري حماس والجهاد ، الذين يعتبرون البلاد كلها أرضا للوقف الإسلامي، لا يمكن التنازل عن شبر منها، وأمثالهم في الجانب الإسرائيلي، في معسكر المستوطنين المقتنعين بحقهم الكامل على كل جزء من الأرض الموعودة. لقد دفع أبناء الشعبين، في الماضي، ثمن التهجير والخراب بسبب استسلامهم للمتعصبين. لكنه يبدو أنهم لم يستخلصوا، بعد، عبر الماضي كلها، وما زال بينهم من يرفع لواء كل شيء أو لا شيء. كم يسهل الانجرار وراء الشعارات القومية المتحمسة، وكم يصعب التفكير بشكل منطقي، أمام الدماء السائلة عبثًا. كم يسهل الصمت، وكم يصعب السير ضد تيار الطائشين الذين يطالبون بالخروج إلى معركة خاسرة أخرى. ربما من المناسب، الآن بالذات، عندما يبدو أننا وصلنا، مرة أخرى، إلى باب موصود، العودة إلى عبارة أحب الراحل أبو إيبان اقتباسها: لا تقل أبدًا لا. *(عن يديعوت أحرونوت)