النائب الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا طوم لانتوس، والذي له تأثير كبير في توجيه سياسة إدارة الرئيس بوش في اتجاه أشدّ عدائية للعرب، هو من ذاك النمط من المسؤولين الأمريكيين الذين يشقّ على أي مسؤول عربي التقاءهم إلا إذا أرغمته حاجته إلى التقائهم على وضع أعصابه في ثلاّجة، وخنق مشاعره وأحاسيسه، ففي هذا النائب من الغطرسة والعجرفة، اللتين يطيب له إظهارهما بقوة عند زيارته العواصم العربية، ما يخلق للحجر أعصابا حتى يستفزّه! في أثناء زيارته لدمشق، لم يلتقه الرئيس السوري بشار الأسد، وقيل إنّه تهرّب من لقائه. وعندما سئل لانتوس عن رأيه في أسباب هذا التهرُّب، أجاب، في استعلاء، قائلا: آمل أنء يكون الرئيس الأسد يفهم جيدا أنّ مصلحته في أنء يلتقيني أكبر من مصلحتي في أنء التقيه ! وقال إنّه حضّ الرئيس السوري على سحب قوّاته (نحو 16 ألف جندي سوري) من لبنان لأنّ لبنان دولة ذات سيادة، ويجب ألا تحتلها قوّات سورية ؛ أمّا احتفاظ الولاياتالمتحدة بنحو 150 ألف جندي في العراق، يقاتلون، يوميا، من أجل احتفاظها بسيطرتها الإمبريالية عليه، والوجود العسكري والاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي مرتفعات الجولان السورية والذي ما زال قائما منذ سنة 1967، فلا يُعدّان احتلالا يجب إنهاؤه! وبسبب أنّ دمشق رفضت شنّ حرب على حزب الله اللبناني في إطار الحرب العالمية على الإرهاب ، أخرج لانتوس سورية من العالم المتحضِّر ، الذي يُدرِج الحرب على الإرهاب بندا أوّل في جدول أعماله، مع أنّ هذه الحرب تشهد، في نتائجها وأهدافها الحقيقية وطريقة خوضها، على أنّ الولاياتالمتحدة تقود العالم نحو رأسمالية البرابرة الهمجيين المتوحشين ! ثم أقام لانتوس الدليل على أنّ القوة العظمى في العالم لا تستطيع أنء تقيم إمبراطوريتها وتسيطر على العالم إلا بخلقها كائنات مثله في ضيق الأفق، والانحطاط الإيديولوجي، وكأنّ السقوط الواقعي للإمبراطوريات يجب أنء يبدأ دائما بسقوط فكري، أكدّه وأوضحه النائب الأمريكي إذ قال مخاطبا العرب: أنتم محظوظون جدا؛ لأنّ الولاياتالمتحدة هي القوة العظمى في العالم، فهذه الدولة ليست لها مطامع إقليمية، وهي كريمة جدا، ولا تبغي سوى مساعدتكم وأنء تعيشوا في رخاء وأنء يتمتع الإنسان عندكم بحقوقه الإنسانية كاملة؛ كما أنّها حريصة على أنء تعاملكم في احترام ! لأنّ الولايات ليست من نمط المستعمِرين الأوروبيين ذوي الأطماع الإقليمية، فهي لا تخوض حروبها الإمبريالية في العالم العربي من أجل اقتطاع أراضٍ منه وضمّها إليها، وكأنّ في اضطرارها هذا تكمن فضيلة . هل يحاول لانتوس أنء يقنعنا أنّ الولاياتالمتحدة لم تغزُ العراق وتحتله من أجل أنء تضم أرضه إلى أراضيها؟! وهل يريد أنء يقول لنا إنّ في هذا العجز الموضوعي عن سلخ أرض الرافدين من قارة آسيا، ولصقها، بعد ذلك، بأراضي الولاياتالمتحدة، تكمن فضيلة أمريكية لا تعدلها فضيلة؟! لقد فكّرَتء هذه الدولة الفاضلة طويلا في الطريقة الفضلى لوضع يدها على الاحتياط الهائل للنفط والغاز في منطقة الخليج والذي يبعد عنها آلاف الأميال من مياه البحار والمحيطات، فجاء وزير النفط الأمريكي، بعد حرب عاصفة الصحراء حاملا اقتراح استئجار النفط كما يُستأجر أي عقار. وبحسب هذا الاقتراح، تضخ بعض الدول العربية النفطية في الخليج كمّيات إضافية من النفط، تُنقل إلى الأراضي الأمريكية لتُخزَّن فيها، فيبقى هذا العقار من النفط مملوكا لهذه الدول من الوجهة القانونية؛ أمّا المستأجر الأمريكي فيدفع إيجارا سنويا! وإذ رجحت كفّة العيوب في هذا الاقتراح قررت الولاياتالمتحدة أنء تنتقل هي (بجيوشها وشركاتها وبالحكومات الديمقراطية التي تنصِّبها) إلى حيث يعظم احتياط النفط والغاز، وكأنّ هذا الاحتياط (وكل ما له صلة بالقطاع النفطي) يجب أنء يكون مملوكا لها ملكية فعلية لا تنال من قوّتها الملكية القانونية له والتي لا تمانع في بقائها في يد دول مستقلة ذات سيادة أسبغت عليها نعمة الإصلاح السياسي والديمقراطي ! ولو أنّ العالم العربي نضبت ثروته النفطية، فجأة، لانتفت، فجأة أيضا، حاجة الولاياتالمتحدة إلى الاستمرار في حربها على الإرهاب ، ولتخلّت عن رغبتها في تغيير المناهج الدراسية ، وفي الإصلاح السياسي والديمقراطي للدول العربية، وفي جعل العرب يعيشون في رخاء ، ولما احتاج لانتوس إلى أنء يقنعنا بأننا محظوظون جدا لكون الولاياتالمتحدة هي القوة العظمى في العالم! * كاتب ومحلل سياسي فلسطيني الأردن "عن جريدة الصباح الفلسطينية"