استدار الناقد علي الشدوي على معنى محاضرته التي أقيمت بجمعية الثقافة والفنون بالباحة (المعرفة الصامتة) ليكشف جوانب المعنى واحقية امتلاكه متجاهلا دلالات عنوانه والبحث عن ثقافة الصمت ليركز على المعنى بين اضلاعه الثلاثة المؤلف والنص والقارىء موضحاً أن المعنى هو من يخلق المعرفة الصامتة. أدار الأمسية الدكتور/ صالح الغامدي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود حيث عرج في مقدمته على تعريف المحاضر وإنتاجاته النقدية كما جرت به العادة وأوضح أن العنوان غامض لف حوله تساؤلات جذابة حول منهج المعرفة بين منتج ومستهلك متقابلين أو منتج ومستهلك في جسد واحد.. بدأ المحاضر أمسيته بالاتكاء على المعاجم التي صورت الغموض بالتضامن والتداخل وجمعه صفات الخفاء والسرية وعدم الوضوح. وربط الشدوي بين الغموض والحقيقة حيث أن الغموض يطلق على السري والمجهول والمخفى والحقيقة ما قيل بطريقة غامضة وكلاهما يفهم فيما هو أبعد من الظاهر. وبين أن هذا التصور للغموض هو ما يسميه بول فاين قوة الإثبات ويشكل مجموعة تحترف المعرفة وتضطلع بمهمة توضيحها وتنظيمها ونشرها وقد حدث ذلك على امتداد وتاريخ الثقافة العربية وقد وجد علماء احترفوا المعرفة وشكلوا نخبة هي وحدها القادرة على فهم الغامض وشرحه وتفسيره من هذ الفهم الأول لهذه الطبقة النخبوية التي تملك رؤية ما هو تحت الظاهر أما الباقون فهم من وجهة نظره غير موجودين ثقافياً لذا ينبغي أن يتمثلوا طرق تفكيرها ويتبنوا مواقفها ويشاركوا نشاطاتها لكي يتعلموا ليكونوا فيما بعد محميين منها أو اصدقاء لها لكن دون الارتقاء إلى الند والذي يمثل ولادة الطبقة أما المفهوم الثاني المتوافر من المفهوم الأول فهو الاجماع من أي إجماع مجموعة علمية تعمل وتؤدي دورها وفق مجموعة من الأفكار التي تعتقد بصحتها. وتطرق الشدوي إلى ولادة الاجماع في حقول العلوم الشرعية ثم انتقل إلى الشعر حيث يعد ابن سلام الجمحي أول من استعمله وأوضح المحاضر أن مفهوم الاجماع لم يكرس في الشعر رغم اشتعال النقاد على نماذج شعرية شبه مجمع عليها لكن هذا التقارب لم يكرس مجموعة متكاملة من القواعد للبحث عن معنى الشعر لذا بقوا يتحركون بين تصور المعنى من حيث هو مرتبط بالتاريخ (يتحكم فيه قصد معين في لحظة معينة) والمعنى من حيث هو حقيقة ثابتة في النص. وأشار إلى أن النقاد القدماء قرأوا نصاً واحداً بآليات مختلفة تجادلوا في معنى بعض الأبيات مثلما حدث مع أبي تمام و في كل هذا كانت تتحكم فيهم تجاربهم القرائية والأعراف الأدبية التي تعلموها والشكل الشعري. ثم اورد الشدوي استشهاده ببيتين من الشعر من حكاية نقلها جلال الدين السيوطي عن كتاب ابي محمد المعلي الازدي (الترقيص) هما: ==1== محكوكة العينين معطاء القفا ==0== ==0==كأنما قدت على متن الصفا تمشي على متن شراك أعجفا ==0== ==0==كأنما تنشر فيه مصحفا ==2== والتي بقيت مستعصية على كبار علماء العربية ونقادها كأبي عبيدة والأصمعي وابي زيد الأنصاري وبعد أن شرح الحكاية وسبر اغوارها بدراسة تطبيقية تأويلية أكد الناقد الشدوي أن الفرق بين المعرفة وتكوين المعنى أن الأولى عامة ومشتركة أما الثانية فهي عملية شخصية وخاصة وتكوين وبناء يتواصل إليه الفرد بنفسه كما أكد أن الحقيقة نسبية لا يمكن أن تكون واحدة إلا في المجتمع السلطوي الذي لا يقبل التعددية ويعزز الطبقية بين أفراده وأن لمظاهر احياء النص ثلاث فئات احداهما تدور في تأويل النص والأخرى تبحث عن قصد ومعنى المؤلف أما الثالثة فهي التي تسعى لتكوين معناها الخاص. وبدأت أولى المداخلات للدكتور محمد ربيع عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود حيث قال أن الشدوي كعادته يتكىء على الحكاية ويتوسل بها ليطرح موضوعاته مؤكداً أننا نعيش أزمة المعنى ومن يمتلكه حيث انه وضع المعنى وحرسه قوم فرضوه علينا حتى تكونت الطبقة العارفة التي احتكرت المعنى وهذه الطبقة الزاعمة مفتقرة إلى حقائق أصبحت من المسلمات حتى على مستوى اللغة كنسبة اللغة، واللغة لعبة واللغة ناقصة والنص المفتوح وغيرها. وعن الغموض قال الربيع أن مسألة الغموض مسألة جوهرية في البنية تعامل معها القدماء أحسن حالا منا وتفهموها لحل قضاياهم حتى جعلوا للمعنى أكثر من مشرب. كما عدد الربيع بعض المصطلحات البديلة لما ذهب إليه الشدوي كالمعلومة والرؤية بديلاً للمعرفة وتكوين المعنى والمعارف وقلق السؤال للمعرفة والفضول وتساءل عن كيفية التوفيق بين النخبة التي تحتكر المعنى وبين القارىء المدرب؟! وداخل الناقد جمعان عبد الكريم قائلا ان المحاضر لم يذكر الجانب النظري للمحاضرة ولم يتطرق للصمت وأثر الذهاب إلى المعنى المعجمي ولم يبين بجلاء حدود المعنى الخارجي والداخلي! الدكتور علي الرباعي في مداخلته قال أن المعرفة الصامتة تقابل الأوراق المحترقة ونحن نأخذ الأشياء عن غيرنا بتفاصيلها دون أن نترك لأحدنا فرصة توالد الأسئلة وأن اعطاء معارف ناطقة قتل للإبداع. واشاد الرباعي باستشهادات المحاضر بمدارس نقدية عربية أصيلة. مدير الأمسية الدكتور صالح الغامدي ختم المداخلات بقوله أن الورقة تقوم على التأويل وتدعو لحريته لكن تكوين المعنى إن كان عملية فردية فالفرد يتشكل من مجموعة أبعاد ليس بمعزل عن المجتمع. وفي ختام الأمسية قدم مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالباحة عبد الناصر الكرت هديتين تذكاريتين لمدير الأمسية والمحاضر ووعد بأن تكون هذه المحاضرة ومداخلاتها ضمن اصدار الجمعية القادم.