وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    ترامب يرشح سكوت بيسنت لمنصب وزير الخزانة    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    «موديز» ترفع تصنيف السعودية إلى «Aa3» مع نظرة مستقبلية مستقرة    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة .. والأهلي وصيفاً    "بتكوين" تصل إلى مستويات قياسية وتقترب من 100 ألف دولار    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    النسخة ال 15 من جوائز "مينا إيفي" تحتفي بأبطال فعالية التسويق    القادسية يتغلّب على النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    (هاتريك) هاري كين يقود بايرن ميونخ للفوز على أوجسبورج    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    "الجمارك" في منفذ الحديثة تحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة "كبتاجون    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل جيسلاف ميوش ، ضمير بلاده الأخلاقي وشاعرها الأبرز
نشر في اليوم يوم 23 - 08 - 2004

برحيل جيسلاف ميوش في الرابع عشر من أغسطس الجاري تنطوي صفحة أخرى مشرقة في تاريخ الأدب العالمي المكتوب في القرن العشرين. لقد نجح ميوش الذي يوسم بكونه (الضمير الأخلاقي الحي) لبلاده في وضع اسم بلده (بولندا) على خريطة الإبداع الأدبي العالمي خصوصا بعد فوزه بجائزة نوبل العريقة سنة 1980. لقد ظل ميوش وفيا لوطنه ومتشبثا بجذوره الثقافية واستمر في الكتابة بلغته الأم البولندية رغم إتقانه التام للغتين الفرنسية والإنجليزية حتى رغم منعه من الرجوع إلى بلده وحظر كتبه فيها لمدة ثلاثين عاما هي الفترة التي قضاها في المنفى في فرنسا أولا ومن ثم في الولايات المتحدة التي أصبح أحد مواطنيها في عام 1970.
لم يكن ميوش قابعا في محراب الشعر على حساب الواقع الذي يحيط به ويتفاعل معه. كما لم يكن شاعرا منسحبا ومنطويا على ذاته بل كان منشغلا بقضايا عصره وهموم وطنه الذي طال رزوحه تحت وطأة الشيوعية المستبدة مما دفعه إلى نشر كتابه الذي نال قسطا وافرا من الذيوع والشهرة ( العقل الأسير) سنة 1953 وفيه وجه سهام نقده اللاذع لعدد كبير من المثقفين الذين تبنوا الأفكار الشيوعية الراديكالية وروجوا لها.
لقد أثبت ميوش أنه لم يكن شاعرا كبيرا فحسب ، بل إنه كان مثقفا أصيلا ومناضلا شريفا في سبيل الحرية التي قدر له أن يراها تتحقق في بلاده بعد السقوط المدوي للنظام الشيوعي السوفييتي حين شارف القرن العشرون على الأفول ، الأمر الذي دفعه للعودة مرة أخرى إلى بلاده ليقيم فيها سنة 1995 على الرغم من تمتعه بالجنسية الأمريكية وعمله في تدريس الآداب السلافية في أعرق جامعات الولايات المتحدة الأمريكية. ولأنه أحب وطنه وأخلص له فقد بادله وطنه حبا بحب واحتفت بولندا عن بكرة أبيها ببلوغه التسعين سنة 2001 وأصبح أحد الرموز الوطنية التي يجمع البولنديون على احترامها وتقديرها.
(إنها خسارة لا تعوض) هذا ما قاله رئيس الوزراء البولندي ماريك بيلكا إثر إعلان خبر وفاته في منزله العائلي في مدينة كراكوفيا. أما ليش فاليسا الرئيس البولندي السابق وحائز جائزة نوبل للسلام فقد قال عنه أنه ينتمي إلى (جيل الأمراء والشخصيات الكبيرة).
ولد ميوش في ليتوانيا التي كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية حينئذ سنة 1911 وأكمل دراسته الجامعية في مدينة فيلينوس التي أصبحت فيما بعد جزءا من بولندا. نشر مجموعته الشعرية الأولى وهو في الحادية والعشرين من عمره وأسس الجماعة الشعرية المعروفة باسم الكارثية. وقد أطلق عليها ذلك الاسم لإيمان أعضائها بأن العالم يتجه إلى تحطيم نفسه لما يشهده من حروب وفظائع. خلال الاحتلال النازي لبولندا شارك ميوش في حركة المقاومة السرية ونشر وترجم وكتب العديد من قصائد المقاومة. عمل سفيرا لبلاده لفترة من الزمن قبل أن يطلب اللجوء السياسي إلى فرنسا ومن ثم انتقل إلى الولايات المتحدة وأصبح مواطنا أمريكيا ودرس في جامعة كاليفورنيا.
إضافة لكتابته للشعر نشر ميوش العديد من الكتب النثرية في الرواية والسيرة الذاتية والنقد كما قام بترجمة أعمال عدد كبير من الشعراء الغربيين إلى البولندية. ورغم انه كان مصرا على كتابة الشعر على وجه الخصوص بلغته الأم البولندية إلا أنه ترجم أو شارك في ترجمة نصوصه الشعرية إلى اللغة الإنجليزية لتحظى بنجاح لم يكن يتوقعه نظرا للفروقات الكبيرة بين اللغتين البولندية والإنجليزية.
يتخذ شعر ميوش بعدا فلسفيا تأمليا في مجمل نصوصه مع ميله لتغليب اللغة البسيطة المباشرة مبتعدا عن التعقيد اللغوي والتجريد الذهني والتزويق الشكلي الذي يرى أنه أبعد ما يكون عن جوهر الشعر.
حوار
فيما يلي ترجمة لأجزاء من حوار مطول أجرته معه مجلة (باريس ريفيو) في عدد صدر عام 1995.
@ ما الأدب الذي شكل خيالك إبان نشأتك في ليتوانيا؟
تخيل عالما بدون راديو أو تلفزيون أو سينما. تلك كانت طفولتي في أحد أصقاع الريف الأوربي. في ذلك الوقت ، كان تأثير الكتب أكبر بكثير منه الآن، ولقد استفدت كثيرا من مكتبة جدي ، والتي كانت مكونة في الجزء الأكبر منها من كتب تنتمي إلى القرن التاسع عشر. الأطلس الوحيد كان قديما جدا إلى الحد الذي بدت فيه بقعة بيضاء كبيرة في وسط أفريقيا. لم تنكشف معضلة الزمن لي عن طريق مارسيل بروست ولكن من خلال جيمس فينور كوبر. مؤلفات كتاب مثل فينمور كوبر كانت منتشرة في ذلك الوقت في نسخ مختصرة ومعدلة للأطفال. على سبيل المثال، كل أجزاء ملحمة ( صائد الغزلان) كانت مختصرة في مجلد واحد. وعلى الرغم من ذلك ،فقد كان لتلك القصة أثر كبير علي لأنها حقا قصة صياد صغير يكبر شيئا فشيئا ليبلغ أوج شبابه ومن ثم يصبح رجلا مسنا وهو يتنقل من الشرق إلى الغرب. إن مأساته تكمن في كونه منفيا وغير قادر على الهروب من المدينة والحضارة. قرأت كذلك لمؤلفين لم يسمع بهم أحد في الولايات المتحدة مثل توماس ماين ريد الذي كان أيرلنديا قضى جزءا من حياته في أمريكا كصياد ومعلم ومن ثم أصبح كاتب قصص للأطفال إبان إقامته في لندن. كانت كتبه مليئة بكل أنواع النباتات والحيوانات والطيور ، وكل منها معرف باسمه اللاتيني. لقد كان ذلك أمرا في غاية الأهمية بالنسبة لي إذ أنني كنت أرغب في ذلك الحين في أن أصبح متخصصا في عالم الطيور.
كنت أعرف أسماء جميع الطيور وما يقابلها باللاتينية. قرأت كذلك كارل ماي، الذي كان محبوبا من قبل الأطفال الصغار في كل أنحاء أوربا والذي كان مترجما إلى اللغات الأوربية ولم يكن معروفا في أمريكا.
فيما بعد وحين أقمت في فيلبنوس، شاهدت الأفلام السينمائية وكان تعليمي فيما يخص هذا الشأن مثل أي طفل أمريكي معاصر. لقد ترك كل من ماري بكفورد وليليان جيش وبستر كيتون وتشارلي شابلن أثرهم علي. إنه لمن الصعب أن ترسم حدا فاصلا بين قراءات الطفولة وبين بداية الانخراط في قراءة كتب أكثر نضجا. ولكن وبسبب نشأتي الريفية وبسبب تلك الكتب المنتمية إلى القرن التاسع عشر، كنت دائما مشدودا إلى الكتب المهتمة بالطبيعة، خصوصا تلك المزودة بالرسوم التوضيحية والصور الملونة. لقد شكلت تلك الكتب موقفي تجاه الطبيعة.
@ ما الذي شدك إلى الطبيعة؟
حسنا، إن بطلي المفضل هو لينوس الذي أحببت فكرة اختراعه لنظام معين لتسمية الكائنات ، وتمكنه من احتواء الطبيعة بتلك الطريقة. إن ولعي بالطبيعة كان في الجزء الأكبر منه افتتان بالأسماء والتسمية. ولكنني كنت صيادا أيضا. وكذلك كان والدي. الآن ينتابني شعور بالخجل لإقدامي على قتل الطيور والحيوانات. صحيح أنني لن أقدم على فعل ذلك الآن، ولكنني استمتعت بالأمر في ذلك الحين. لقد كنت مهتما إضافة إلى ذلك بالتحنيط.
@ هل يمكن عقد صلة بين إدراك كل من عالم الطبيعة والشاعر للطبيعة؟
كتب ديفيد واجنر قصيدة عن إلكسندر ويلسون وهو أحد أبرز علماء الطيور الأمريكيين يصور فيها كيف أطلق ويلسون النار على طائر من الطيور المنقرضة الآن ، ويروي كيف أصابه واحتفظ به لأنه كان فصيلة جديدة بالنسبة له. كان الطائر يموت ببطء في المنزل. يعلل ويلسون الأمر بكونه يضطر لقتل الطيور لكي يتمكنوا من البقاء أحياء على صفحات كتبه. إنها قصيدة دراماتيكية جدا. لذا فإن علاقة العلم بالطبيعة ، وكذلك علاقة الفن بالطبيعة ، هي نوع من الالتقاء بين عقلي كل من العالم والفنان في كون كل منهما راغبا في احتضان الكون.
@ متى فكرت لأول مرة في أن تصبح كاتبا؟
بدأت الكتابة حين كنت في المرحلة الثانوية ، رغم أنها لم تمثل مجهودا للتعبير عن نفسي_ فهي مجرد تدريبات شكلية متأثرة كما أظن بشعراء القرن السادس عشر الفرنسيين المنتمين إلى الحركة المعروفة باسم لا بلياد ، والذين قرأتهم في مقررات اللغة الفرنسية أمثال جواكيم دو بيلي وريمي بيلو وبيير دي رونزارو وآخرين. إن القول انني أردت أن أصبح شاعرا أمر غير دقيق تماما. لقد كنت أريد أن أكون في حالة صراع مع محيطي وأن أتخذ موقفا سلبيا أو ما يسميه فلوبير بكره البورجوازية. أردت أن يكون لي أسلوب مغاير وطريقة مختلفة للعيش.
@ في مرحلة مبكرة من حياتك كنت عضوا في جماعة أدبية عرفت باسم زاجاري، والتي أصبحت نظرتها للعالم وممارساتها الشعرية تعرف باسم الكارثية؟
كنت أحد مؤسسي تلك الجماعة . لم نكن نعرف حينئذ بالكارثيين. لقد أطلق النقاد علينا ذلك الاسم في مرحلة تالية. كانت السنوات ما بين عامي 1931 و1933 سنوات يأس وإحباط. أتساءل الآن فيما إذا كانت النظرة السوداوية للتاريخ هي نتيجة لميل شخصي تجاه التشاؤم ،أو أن تشاؤم المرء يعكس الطابع الغالب على فترة تاريخية ما. مهما يكن من أمر ، فلقد كانت تلك الفترة من أفظع الفترات التي مرت بها أوربا في تاريخها. الأدب القادم من ألمانيا كان عدميا وساخرا وممتلئا بالكراهية. الأدب القادم من الاتحاد السوفييتي في العشرينيات قبل ظهور الواقعية الاشتراكية كان أيضا مفرطا في القسوة والسلبية. كان هنالك كتاب مثل سيفولينا وإليا إيهرنبرغ، اللذين كانا يقيمان في باريس في ذلك الوقت. كانت روايات إيهرنبرغ العدمية تترجم مباشرة إلى البولندية ، لذا فقد اتخذ الأدب طابعا تشاؤميا شديد السلبية . في الوقت نفسه كانت الأخبار السياسية سيئة جدا_ الستالينية في روسيا وهتلر المشرف على استلام السلطة في ألمانيا. إن تفهم كل تلك الأمور بالطبع قد أثر على جماعتنا. ماريان زدزيشوفسكي رئيس جامعتنا والذي كان مفرط التشاؤم قام بتأليف كتاب سماه ( مواجهة النهاية) تنبأ فيه بوشوك تحطيم أوربا من قبل قوتين رئيستين هما الوطنية والشيوعية. ولحسن حظه قد مات سنة 1939 قبل بداية الحرب بقليل.
@ لقد كنت من عناصر المقاومة في وارسو حيث نشرت أو أسهمت في نشر أنطلوجيا شعرية بشكل سري ضد النازيين. ما تأثير سنوات الحرب على شعرك؟
لقد كنت شاعرا قلقا بسبب إدراكي أن الشعر لا يمكن أن يعكس صورة العالم كما هي_ إن الأفكار التقليدية غير صحيحة. لذا فقد بحثت عن شيء مختلف، ولكنني في ذات الوقت كتبت عملا طويلا مكونا من قصائد قصيرة تحت عنوان العالم قصيدة ساذجة. لقد كانت تلك القصائد تشكل سلسلة مترابطة ، رغم عدم إدراكي لذلك حينئذ - كقصائد بليك ( أغاني البراءة) لقد كنت تحت شعور حاد بفظاعة العالم فجاءت تلك القصائد كإجابات تصور العالم كما ينبغي أن يكون وليس كما هو كائن. لقد كانت قصيدة العالم قصيدة عميقة السخرية بمنظور ما كان يحدث حينئذ.
@ في إحدى قصائد الديوان ( العالم) كتبت (نحن والأزهار نلقي بظلالنا على الأرض./ إن ما لا ظل له لا قدرة له على العيش).
هنالك شيء من توما الأكويني خلف تلك السطور. إنها قصيدة ساذجة -لقد كانت قصائدي في ذلك الوقت تمثل بحثا مزدوجا: الأول هو البحث عن مجد البراءة متمثلا بالقصائد الساذجة- الآخر هو دائرة (أصوات الفقراء) وهي بحث عن وسيلة ما للتعامل مباشرة مع الاحتلال النازي. هنالك أيضا تأثير الشعر الصيني الذي كنت أقرأه بحثا عن اللون ، اللون المحض.
@ كيف تسنى لك الاطلاع على الشعر الصيني؟
في وارسو، اشتريت أنطلوجيا للشعر الصيني المترجم إلى اللغة الفرنسية. لقد كان شعرا غنيا بالصور الواضحة ، وعلى وجه الخصوص الألوان القوية التي كان بإمكاني ضخها في عالم مقصور على لونين اثنين هما الأسود والأحمر رمز الاحتلال النازي. منذ ذلك الحين أصبح مزيج اللونين الأحمر والأسود نذير شؤم بالنسبة لي.
@ من الشعراء الآسيويون الذين أثاروا اهتمامك أكثر من سواهم؟
في ذلك الحين لم تكن لي معرفة كافية بالشعراء كأفراد. لقد تحقق ذلك فيما بعد من خلال اهتمامي بالشعر الأمريكي. وكما تعلم ، فإن الترجمات من الصينية القديمة والشعر الياباني لعبت دورا مهما في تطوره. كان عزرا باوند رائدا في هذا المجال: الشعراء التصويريون تأثروا بشكل كبير بالأدب الآسيوي. إذا فقد كان تأثيرا متدرجا تم تطويره بشكل أساسي بسبب بعض الفذلكات الفلسفية في عملي.
@ على سبيل المثال؟
حسنا، لا أريد أن أبدو منظرا ولكنني كنت أتفاعل مع آراء محددة في الشعر الحديث تجاه تغليب الذاتية المطلقة. في الشعر الآسيوي هنالك توازن ما بين الذات والموضوع نادرا ما يتم تحقيقه لدى الغرب. إنني أنتمي إلى تقليد شعري يلعب فيه التاريخ دورا كبيرا، وشعري إلى حد كبير متورط في نقل أحداث مهمة محددة، ومآسي التاريخ. إن التقليد السائد في أوربا الوسطى هو أن الفرد ضعيف بخلاف الغرب الذي يؤكد بقوة على الفرد. بعد أن توقفت عن التعاطي مع التراجيديات الكبرى للقرن العشرين، أردت أن أجد توازنا ما. لم أرد أن أكتب أفكارا شخصية محضة، وهو أمر سائد بكثرة في الشعر الذي يكتب الآن- حيث يتم النظر إليه من خلال منظور شديد الشخصية ، وكنتيجة لذلك يصبح في أغلب الأحيان عصيا على الفهم. لقد أدركت أن ضعف الفرد ليس أمرا جيدا في الشعر، وأن الإفراط في الفردانية أمر خطر كذلك.
@ ولكنك في ( الأرض المتفلتة) عبرت عن إعجابك بويتمان صاحب الأنا البارزة عبر تضمينك ترجمات للعديد من قصائده. كيف تشعر حيال تقديمه للذات؟
إن ويتمان حالة خاصة جدا لأنه يخلق شخصية ويتحدث من خلالها؛ غير أن هنالك مسافة ما تقع ما بين ويتمان والشخصية المركبة التي يخلقها في شعره، وهو أمر مختلف عن شاعر يعتقد بسذاجة أن كل ما يشعر به أو يتصوره في لحظة ما يهم القارئ. بالتأكيد، فإن ويتمان شاعر مركب ، يخلط ما بين الجيد والرديء، وهو أمر اعتاد قريبي أوسكار ميوش على تسميته الوصفة الناجعة لكتابة الشعر العظيم. حين نقرأ النتاج الضخم لويتمان اليوم فإننا نتخطى العديد من مواضع السذاجة ، وعلى وجه الخصوص تلك الإحصاءات ، والقوائم الطويلة. بالنسبة لي فإن ويتمان شاعر تستطيع أن تنحت منه العديد من القصائد القصيرة_ إنه شاعر بالغ الغنى.
@ تكن كذلك إعجابا لآلن جينسبرغ - الوريث الحديث لتراث ويتمان؟
قصيدتي (إلى آلن جينسبرغ) قصيدة مراوغة. لقد تقدم نحوي بعد أن انتهى من إحدى قراءاته وقال لي : (حسنا، أظن أنك لست محافظا جدا كما تحب أن تقدم نفسك). إن موقفي من جينسبرغ متناقض. إن قصيدته (كاديش) بطريقة ما، قطعة فظيعة من الكتابة ولكنها بالغة الجرأة- أن تتحدث عن جنون أمك، وأن تصف مراحله المختلفة .. ذلك أمر لا يصدق. لطالما انتقدت ذلك النوع من الطيش الشخصي. لذلك فإنني أشعر بالصدمة وبشيء من الحسد من جرأة جينسبرغ ، وذلك ما بينته في قصيدتي عنه.
@ كيف تصف عملية كتابتك للشعر؟
أكتب كل صباح ، سواء أكان سطرا واحدا أو أكثر ، ولكن فقط في الصباح. أكتب في دفاتر ثم أطبع المسودات في كمبيوتري. لا أحتسي القهوة أبدا ولا أستخدم أي نوع من أنواع المحفزات حين أكتب. أشرب باعتدال ولكن فقط بعد انتهائي من العمل. ربما لا أبدو متوافقا مع صورة الكاتب الحديث العصابي لهذه الأسباب، ولكن من يدري؟
@ هل تقوم بمراجعة شعرك كثيرا؟
لا توجد هناك قاعدة. أحيانا تكتب القصيدة خلال خمس دقائق ، وأحيانا تستغرق شهورا. ليس ثمة قاعدة.
@ هل تكتب أولا بالبولندية ثم تقوم بالترجمة إلى الإنجليزية؟
أكتب فقط بالبولندية. لطالما كتبت بالبولندية فحسب، لأنني أظن أن تمكني من اللغة يكون أكبر حين أستخدم لغة طفولتي.
@ هل تظن أنه يمكن ترجمة شعرك بشكل جيد؟
أترجمه بنفسي وبعد ذلك يقوم أصدقاء لي ، في الأغلب روبرت هاس هذه الأيام أو ليونارد ناثان بتصحيحه. ولكن الإيقاعات الأساسية تحدد من قبلي، لأنهما لا يعرفان اللغة البولندية. لم أكن أعتقد بإمكانية ترجمة شعري. أحس بالامتياز لتمكني من التواصل مع الجماهير الأمريكية فنصفهم في العادة شعراء طموحون. إنهم يقدرونني أكثر لكوني شاعرا. أما بالنسبة للبولنديين فأنا شخصية مشهورة أكثر من أي شيء آخر.
@ قلت عن نفسك إنك شاعر هرمسي. ألا تتخيل جمهورا؟
أكتب لشخص مثالي هو نوع من الأنا العليا. لا يهمني أن أكون أكثر قربا. أقدر إذا ما كانت قصائدي تتمتع بما هو ضروري وبما هو مناسب. أتبع حاجتي للإيقاع والنظام ، وصراعي ضد الفوضى والعدم لأترجم ما يمكنني من أبعاد الواقع إلى شكل ما.
شارلي شابلن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.