عزيزي رئيس التحرير في مقال سابق لي بجريدة (اليوم) العدد (10890) بتاريخ 8 صفر 1424ه, تحت عنوان (كليات المعلمين.. جامعة الخبرة التربوية) وقد تضمن فكرتين رئيستين: الفكرة الاولى: كان محورها الجهود التعليمية التي قامت بها المملكة عبر مسيرة تاريخية مباركة, من اجل النهوض ببرامج اعداد المعلمين بالمرحلة الابتدائية فمن معلم الضرورة الى معاهد المعلمين الابتدائية, ثم الى معاهد المعلمين الثانوية, ومراكز الدراسات التكميلية, ثم الكليات المتوسطة لاعداد المعلمين, الى ان اصبحت بناء على موافقة من المقام السامي في عام 1409ه, كليات للمعلمين تمنح درجة البكالوريوس ثم صدور مجلس الوزراء باستحداث وكالة مستقلة في وزارة المعارف, للاشراف على هذه الكليات تحت مسمى (وكالة الوزارة لكليات المعلمين, وترتبط مباشرة بالوزير). الفكرة الثانية: وكانت تدور حول تعدد الأنشطة والبرامج التربوية التي تقوم بها كليات المعلمين, بالاضافة الى ما تقدمه من مشروعات مختلفة تشع بها البيئة التعليمية, والبيئة الثقافية, والبيئة الاجتماعية, وغيرها, مما يجعل هذه الكليات بحق (بيوت خبرة تربوية), وهذا ما يضفي على ادوارها طابعا مميزا, ويسبغ على اهدافها (هوية خاصة).. من هذا المقال انطلق بالتعبير عن غبطتي الشديدة بصدور قرار مجلس الوزراء بضم كليات المعلمين الى وزارة التعليم العالي, وذلك من اجل تقديم تعليم جامعي مرموق لطلاب هذه الكليات بما يتناسب مع التقدم العلمي والتقني الذي يشهده عصرنا, وبما يحقق ايضا احتياجاتنا التنموية في الحاضر وطموحاتنا الحضارية في المستقبل. ان قرار ضم كليات المعلمين الى التعليم العالي بهذه الصورة, يؤكد استمرار نهج الارتقاء بالتعليم في المرحلة الابتدائية, والذي بدأته هذه الكليات طوال مسيرتها التاريخية المباركة, كما اوضحت بالمقال السابق. وبعد صدور قرار الضم طفق المتخصصون يبحثون عن آليات تنفيذه, والصيغ التي يمكن ان يتم بها الضم, وفي هذا الصدد برزت اتجاهات ثلاثة, اتجاه ينحو الى دمج كليات المعلمين بكليات الجامعات الحكومية القائمة, واتجاه آخر يدعو الى ان تعامل هذه الكليات, كما كانت تعامل في وزارة التربية والتعليم, وذلك بتعيين وكيل للوزارة, يختص بشؤون كليات المعلمين, اما الاتجاه الثالث فقد صوب رميته نحو تحويل كليات المعلمين الى جامعة مستقلة. ورغم ان هذه الآراء تعكس اجتهادات علمية لها تقديرها واحترامها, الا انني اتفق مع من يرون ضم كليات المعلمين بالمملكة في جامعة تربوية مستقلة, وذلك لأن بقاء هذه الكليات منضوية تحت لواء جامعة تربوية, يعزز الجهود الكبيرة التي بذلت ولا تزال تبذل من أجل تفعيل رسالة كليات المعلمين لوضعها منظومة متكاملة ونسيجا متماسكا وكيانا واحدا, يؤكد الهوية التربوية المميزة لهذه الكليات, ويرسخ دعائمها المتينة, والتي تعبر عنها الخصائص التالية: * اتاحة الفرصة لكليات المعلمين لاستكمال مسيرتها الرائدة في اعداد الكوادر المؤهلة تأهيلا تربويا, يتناسب مع طبيعة المرحلة الابتدائية وخصائصها المختلفة وما تتطلبه من مهارات التبسيط والوضوح والمزج بين الأدوار التعليمية والأدوار التربوية, من خلال تنمية قدرات التلاميذ ومهاراتهم وشخصياتهم وبما يحقق وضع اللبنة الاولى في التنمية البشرية التي هي اساس التنمية الحضارية الشاملة. * تنفرد كليات المعلمين عن غيرها بتقديم مقرر اجباري للنشاط يدرسه جميع الطلاب كما انهم منذ التحاقهم بها يمارسون الأنشطة المختلفة, الثقافية والعلمية والاجتماعية والرياضية والفنية وهناك ملتقى يضم هذه الأنشطة الطلابية, يتم عقده سنويا باحدى هذه الكليات ويهدف الى تشجيع الطلاب لابراز مواهبهم وتنيمة قدراتهم ومهاراتهم, مما يسهم بالتأكيد في تخريج معلمين قادرين على غمر التلاميذ بتلك الأنشطة المختلفة التي تدعم بناء الشخصية السوية للطفل, مما يؤدي بها الى التفاعل الايجابي مع المجتمع, بعيدا عن العنف والانحراف. * تمتاز كليات المعلمين بتعدد الشخصيات والبرامج الأكاديمية والتربوية التي تحتاجها مدارسنا وهو الأمر الذي تنفرد به عن نفسه الكليات الجامعية, مثل دورة مديري المدارس, ودورة معلمي الصفوف الاولية, ودبلوم اللغة الانجليزية للجامعيين ودبلوم الاشراف التربوي ودبلوم الارشاد الطلابي ودبلوم التربية العامة بالاضافة الى الدورات والمحاضرات وورش العمل التي تنفذها بالتنسيق مع ادارات التعليم في المملكة. * تضم كليات المعلمين بين جنباتها عددا كبيرا من اعضاء هيئة التدريس الذين تمرسوا على التعامل مع طلابها وفق اهدافها التربوية وسياستها التعليمية, والاحتفاظ بهذه الكوادر في تلك الكليات يسهم في تحقيق رسالتها النبيلة, وتفعيل اهدافها السامية. * ان بقاء كليات المعلمين وضمها الى جامعة خاصة بها, يساعد على اليسر والمرونة الادارية ومن ابرزها بسهولة التقاء عمداء هذه الكليات بمدير الجامعة المقترحة عند الحاجة لمناقشة الكثير من البرامج والقضايا والأنشطة والخطط المستقبلية المتعلقة بهذه الكليات. واذا كانت هذه هي ابرز خصائص الهوية التي تميز كليات المعلمين, فانه يمكن تطويرها, من خلال وضع معايير الجودة من قبل الجامعة المقترحة, من اجل تفعيل هوية كليات المعلمين, والحاقها بقطار العصر وتحدياته المستقبلية. لكل ما سبق, ومن موقع انتمائي لهذه الكليات الغالية منذ اكثر من خمسة وعشرين عاما, وانطلاقا من الغيرة على هذه الصروح العملاقة, وهذا الارث التربوي الاصيل, فانني آمل ان تظل كليات المعلمين جامعة تربوية مستقلة تستقطب اطرافها الشاسعة, وتبني لها كيانا اكاديميا جديدا يتناسب مع حجمها العلمي والتربوي الحالي, لتواصل هذه الجامعة المقترحة المسيرة التربوية والتعليمية المتطورة, من اجل تحقيق الطموحات العظيمة التي يتطلع اليها ولاة الأمر - حفظهم الله -. واختتم هذا المقال بتوجيه جزيل الشكر ووافر التقدير لأهل الفضل ممن كان لجهودهم الجبارة والمتواصلة ابلغ الأثر في تطور هذه الكليات وبروزها على الساحة التربوية في مختلف مدن ومحافظات الوطن الغالي لتؤدي رسالتها النبيلة بكل كفاءة واقتدار وعلى رأس هؤلاء الرجال معالي وزير التربية والتعليم الاستاذ الدكتور محمد بن احمد الرشيد رئيس مجلس كليات المعلمين وسعادة وكيل الوزارة لكليات المعلمين الدكتور محمد بن حسن الصائغ ولجميع الاخوة العمداء وزملائهم في هذه الكليات والزملاء في وكالة الوزارة لكليات المعلمين. وفق الله الجميع لما فيه خير هذا الوطن واهله الأوفياء. والله الهادي إلى سواء السبيل @@ عميد كلية المعلمين في الاحساء د.عبداللطيف بن حمد الحليبي