يعتبر إعداد المعلم حجر الزاوية في أية نهضة انسانية حضارية؛ لأنه المنطلق الحقيقي لأي فعل ايجابي مؤثر في بناء الأمة، والحضن الراعي لأي تقدم حضاري أو رخاء اقتصادي أو استقرار اجتماعي. ومن هذا المنطلق كان وجود كليات تعنى عناية مباشرة باعداد المعلمين اعدادا متكاملا متوازنا؛ علميا وتربويا، من أهم وسائل بلوغ الأهداف السامية للتربية والتعليم في هذا الوطن العزيز. وتعد كليات المعلمين الثماني عشرة المنتشرة في مختلف مدن المملكة امتدادا طبيعيا للمسيرة التاريخية المباركة، التي مرت بها مراحل اعداد المعلم في هذا البلد الطموح، الذي وضع برامج اعداد المعلمين للمرحلة الابتدائية على رأس أوليات التعليم، فمن معلم الضرورة، الى معاهد المعلمين الابتدائية، ثم الى معاهد المعلمين الثانوية، ومراكز الدراسات التكميلية، ثم الكليات المتوسطة لإعداد المعلمين، إلى أن أصبحت بناء على موافقة من المقام السامي في عام 1409ه كليات للمعلمين؛ تمنح درجة البكالوريوس ومدة الدراسة فيها 4 سنوات جامعية. وكانت تشرف على هذه الكليات في وزارة المعارف إدارة عامة تتبع الوكالة المساعدة لشؤون المعلمين، التي ترتبط بوكالة الوزارة المرتبطة بالوزير، ثم باقتراح من معالي وزير المعارف الدكتور محمد احمد الرشيد، الذي يدرك أهمية الرسالة العظيمة المنوطة بهذه الكليات والدور التربوي الكبير المكلفة بالقيام به، باعتبارها (بيوت الخبرة التربوية)، أصدر مجلس الوزراء قراره باستحداث وكالة مستقلة في وزارة المعارف للاشراف على شؤون هذه الكليات تحت مسمى (وكالة الوزارة لكليات المعلمين) وترتبط مباشرة بالوزير. ولهذه الكليات مجلس يرأسه معالي وزير المعارف، كما أن لكل كلية مجلسا يرأسه عميد الكلية، ولكل قسم تعليمي مجلس يرأسه رئيس القسم، ولكل من هذه المجالس تشكيلاتها، واختصاصتها، وصلاحيتها التي تتفق مع اللوائح المنظمة للجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى. ونتيجة لذلك تضافرت الجهود المباركة، وزادت الخطط الطموحة وتضاعف الدعمان المادي والمعنوي، وكثفت عمليات التوجيه والمتابعة. واستحدث مجلس علمي له مجلة علمية محكمة، ويرأسه وكيل الوزارة لكليات المعلمين، كمااستحدثت العمادات المساندة والادارات الاشرافية المختصة، وشكلت لجان لدراسة وتقويم واقع هذه الكليات، واقتراح سبل تطويرها من جميع النواحي. ولكليات المعلمين خطة اجرائية فعالة وموحدة لقبول الطلاب المستجدين وتسجيلهم بعد مقابلتهم واختبار معلوماتهم وقدراتهم ومعرفة شخصياتهم، حسب شروط ومعايير دقيقة من خلال لجان أكاديمية متخصصة لاختيار أفضل العناصر الطلابية المناسبة لكل تخصص وفق متطلبات رسالة التربية والتعليم، وقد يصل عدد الطلاب في هذه الكليات إلى 35 ألف طالب ودارس ومتدرب. ولكليات المعلمين خطة طموحة في مجال السعودة، الساعية الى استقطاب الكوادر الوطنية؛ المؤهلة للعمل على وظائف معيدين أو محاضرين أو أعضاء هيئة تدريس في التخصصات الضرورية، سواء أكانوا من خريجيها أم من خريجي الجامعات السعودية.. حتى بلغ عددهم 1034 عضوا، كما وصل عدد المبتعثين منهم لمواصلة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراة) في الجامعات السعودية والأجنبية 292 مبتعثا. ولدى وكالة وزارة المعارف لكليات المعلمين تجربة دقيقة ورائدة في عملية التعاقد من الخارج؛ بحيث تمر بمراحل نظامية دقيقة، تهدف الى انتقاء الكوادر الأكاديمية المختصة والمؤهلة من أعضاء هيئة التدريس العاملين في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى المشهورة، في ضوء الاحتياجات الضرورية للأقسام التعليمية، وقد بلغ عدد المتعاقدين في الكليات 1120 متعاقدا. كما أن لكليات المعلمين السبق بين مؤسسات التعليم العالي في مجال اجتماعات رؤساء الأقسام المتناظرة؛ بهدف مناقشة الأمور والقضايا التي تسهم في تطوير العملية التعليمية فيها، وتحقق الأهداف المرجوة منها، حسب الأنظمة واللوائح المتبعة في هذا الشأن. وتحرص عمادة شؤون الطلاب بوكالة الوزارة للكليات على المشاركة في اللقاءات الطلابية المختلفة لجامعات المملكة، أو دول مجلس التعاون الخليجي أو الجامعات العربية عموما؛ لتستفيد من خبرات الآخرين، وتحقق التعارف والتواصل العلمي والثقافي بين طلابها وطلاب تلك الجامعات والدول الشقيقة. ولكليات المعلمين ملتقى سنوي للأنشطة الطلابية في مختلف المجالات الشرعية والثقافية والعلمية والاجتماعية والرياضية والفنية، ويهدف هذا الملتقى الى تشجيع الطلاب (معلمي الغد).. أبناء الوطن الواحد لإبراز مواهبهم وتشجيع قدراتهم من خلال هذا المهرجان البهيج الذي يتنقل بين مدن المملكة سنويا. ولدى وكالة الوزارة لكليات المعلمين خطة لإقامة دورات تدريبية لتطوير القيادات الإدارية في الكليات، التي بدورها تعود على وزارة المعارف بكوادر عالية التأهيل، لتستفيد منهم في مواقع قيادية تربوية عديدة، كما تقوم هذه الكليات بتنفيذ الدورات التدريبية المتطورة للمديرين والمشرفين والمعلمين والمرشدين تجاوبا مع حاجة الميدان التربوي. وتسعى وكالة الوزارة لكليات المعلمين لأن تكون تخصصات واعداد خريجي كل كلية متناسبة قدر الامكان مع احتياجات المنطقة أوالمحافظة التعليمية التي تتواجد فيها، كما تجري مراكز البحوث التربوية في هذه الكليات العديد من البحوث والدراسات وفق أوليات الوزارة والادارات، التعليمية للبحث التربوي، إلى جانب الدور الكبير الذي تسهم فيه كليات المعلمين في مجال العمل التطوعي وخدمة المجتمع. وهكذا يتضح لنا مما سبق حجم الجهود الكبيرة التي بذلت ومازالت تبذل من أجل تفعيل رسالة هذه الكليات الثماني عشرة؛ بوصفها منظومة منسجمة، ونسيجا متناسبا، وكيانا واحدا، يكمل بعضه بعضا، سعيا وراء تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية النبيلة المرجوة منها، في جو انفعالي سليم، يسوده العمل بروح الفريق الواحد. إنها انموذج حي للوحدة الوطنية الكبرى التي ضمت هذا الوطن العظيم على يد مؤسسة الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه)، ويجني ثمارها اليوم هذا الشعب الوفي في ظل هذه القيادة الرشيدة أعزها الله. وحيث اننا نعيش هذه الأيام أصداء الفرحة الكبرى التي أحدثتها توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني بإنشاء 3 جامعات في ربوع وطننا الغالي لتضيف رصيدا جديدا من التقدير لهذا العهد الزاهر بالمعطيات الضخمة، خلال ربط التعليم بالمستقبل ومواكبة التقدم السريع لتقنية التعليم في العالم المتطور.. ومن موقع انتمائي لهذه الكليات الغالية منذ 25 عاما، وانطلاقا من غيرتي على هذه الصروح العملاقة، وهذا الارث التربوي الأصيل، اقترح أن تظلها جميعا (جامعة تربوية)؛ توحد أطرافها الشاسعة، وتبني لها كيانا أكاديميا جديدا، يتناسب مع حجمها العلمي والتربوي الحالي، لتواصل هذه الجامعة المقترحة المسيرة التربوية والتعليمية المشرفة، في ضوء السياسة التعليمية النبيلة، وتحقيقا للطموحات العظيمة التي يتطلع اليها ولاة الأمر (حفظهم الله) في هذا البلد العزيز، وللحديث بقية.