منذ أن تولّت أمريكا وبريطانيا احتكار وضع الحلول لمشكلة السودان وأبعدتا مصر والجامعة العربية، أطلقنا تحذيرات لكشف المخطط الصهيوني لتقسيم السودان، وقلنا منذ حوالي السنة: ان اتفاق ماشاكوس بين حكومة السودان والانفصاليين الجنوبيين يمنح حق تقرير المصير لهؤلاء، وهذا يعني حق الانفصال بعد ست سنوات. وكشفت أيضاً حقائق التآمر الأمريكي البريطاني الصهيوني، وقلنا: ان التحرك الانفصالي في الجنوب المدعوم استعمارياً هو حلقة في سلسلة مخططات تتناول محاولات لتقسيم دول عربية، في اطار ما يسمى اعادة تشكيل العالم العربي التي طرحها كولن باول وزير خارجية امريكا منذ العام 2002، وهي الاطار المنوي تطبيقه في دائرة مشروع الشرق الأوسط الكبير. ونبهنا مراراً من أن منح "تقرير المصير للانفصاليين الجنوبيين"، سيؤدي الى تحريك أثنيات وأعراق أخرى في السودان بتحريض أمريكي لاستكمال عملية تقسيم وتقاسم السودان، وليتم بعدها الانتقال الى مشروع تقسيم مصر كما طالب كثير من أعضاء الكونغرس الامريكي. فعلى الرغم من التنازلات التي قدمتها حكومة السودان في حوارها مع الانفصاليين، والتي شملت توزيع الثروة النفطية وحق إصدار عملة جنوبية خاصة والاحتفاظ بالجيش الانفصالي ومشاركة الانفصاليين في السلطة السودانية على أعلى المستويات، رغم كل هذه التنازلات فإن امريكا تقود اليوم حملة عالمية ضد حكومة السودان، وتبدو في حالة إستعداد للتدخل العسكري في هذا البلد بحجة حماية أهالي دارفور. لقد سلّح الامريكيون عصابات من دارفور سموا أنفسهم بجبهة تحرير السودان، وأخذوا يغيرون على مراكز الدولة والجيش بأسلوب انفصالي، متمتعين أيضاً بدعم الانفصاليين الجنوبيين. الاّ أن هذه الحركة الانفصالية في دارفور جوبهت بأهالي الجنجديد العرب لمنع التصرفات الانفصالية. صحيح انه وقعت نتيجة هذا الصراع المسلّح ضحايا ولاجئين وهاربين وصلوا الى تشاد، لكن المسبّب الأول لهذه المشكلة هو امريكا التي تصرّ على تقسيم السودان وفتح جبهة خلفية لمصر لاستخدامها واضعافها فضلاً عن الجبهة الاسرائيلية والاستنزاف الاقتصادي الاجتماعي في مصر!.. واذا مررنا سريعاً على خلفية تداعي الأوضاع في السودان الذي تم اضعافه واستنزافه ليصل الى ما وصل اليه، فإن أحد الأسباب يكمن في تولي حسن الترابي السلطة لسنوات، فطرح الحل الطائفي لمشكلة الجنوب مما فاقم الأزمة واتخذ خطاً معادياً لمصر، وهي البعد الاستراتيجي الحامي لوحدة السودان وعروبته. بل إنه وصل بغروره الى حد اعتبار السودان ساحة الثورة الاسلامية العالمية، فإشتبك مع العرب والمحيط وسبّب للسودان العزلة وزيادة اشعال النيران في الجنوب وفي الشمال، خاصة أنه أمّم الحياة السياسية وصادر حقوق الاحزاب والحركات واحتكر السلطة وابدى كل عداء للعروبة من منطلق طائفي فئوي. وحينما تمّ اقصاء الشيخ الترابي من السلطة، كانت حلقات التآمر التقسيمي على وحدة السودان قد اكتملت، وقد تأخرت الحكومة في الانفتاح السياسي واعادة استقطاب القوى الحية السودانية، فدخلت المفاوضات وحالة الوحدة الوطنية مضطربة مما زاد من حجم الضغوطات الأمنية على الحكومة. ويضاف الى عملية إضعاف السودان، ان الحكومة تأخرت أيضاً في ترميم علاقاتها العربية وقبلت الدخول الى المفاوضات بدون جبهة عربية متضامنة عملياً معها. ولابد من القول أيضاً إن دولاً عربية أساسية ابتعدت عن هموم السودان ولم تكن مواقفها منسجمة مع موجبات التضامن العربي مع بلد يتعرض الى الاستنزاف والتآمر التقسيمي، خاصة أن هذا التآمر يمثل تهديداً مباشراً لوحدة الأمن القومي العربي. نحن كعرب نواجه الآن مشروع كارثة جديدة، بعد استعمار العراق أميركياً. فالولايات المتحدة التي تتعرّض لخسائر استراتيجية في العراق دماً ومالاً وخططاً سياسية، تعاند الوقائع حينما تفتح جبهة جديدة في السودان، لكن ما يشجّعها على مواصلة تدمير الكيانات الوطنية العربية لمصلحة مشروع الشرق الاوسط الكبير هو تراخي العرب بدون ادراك مخاطر الانعزالية القطرية. اننا نخاطب ما تبقى من ضمائر مسؤولين عرب، نخاطب النخب النضالية في الأمة لأن تتحرك بكل وسائل التضامن مع السودان، فالوقت لا يسمح بمحاسبة حكومة السودان ولا يسمح الوقت بالانتظار والرهان على الزمن. فالسودان بلد عربي يتعرض للتدمير الانفصالي، بلد عربي يتعرض لالغاء هويته العربية الاسلامية، بلد يتعرّض "للصوملة" والفوضى والانحلال. ان السودان الذي شكل تاريخياً الإطلالة العربية على افريقيا، السودان الذي تحرر من الاستعمار البريطاني، السودان الذي يضم خيرة العرب المؤمنين والمثقفين، يتعرض للتقسيم العرقي والمذهبي والطائفي بخناجر الصهاينة والمستعمرين. ان كل عربي حرّ الضمير، ملتزم بالدفاع عن كيان الأمة، لا بد ان ينخرط بشكل أو بآخر في عملية الدفاع عن حرية ووحدة وعروبة السودان. نداء مخلص نوجّهه الى الأمة: ناصروا السودان وتضامنوا معه وساعدوه مادياً ومعنوياً، ليتغلّب على كل مخططات التقسيم والهيمنة الاستعمارية. * رئيس المؤتمر الشعبي اللبناني