في زيارة خاطفة لعمان لحضور مناسبة زفاف ابنة صديقي التقيت بهم هناك، هؤلاء الفلسطينيون الذين عاشوا بيننا في الرياضوجدة والدمام لعدة عقود من السنين ثم غادروا محتفظين للسعودية والسعوديين بمشاعر طيبة تأصلت وأصبحت جزءا تكوينيا من منظومة مشاعرهم العقلانية والوجدانية. بعد أن هدأت عاصفة احتفالية الفرح المباشر باللقاء كان لابد من أحاديث هادئة لمعرفة ما تبقى لهؤلاء من تجربتهم العملية والإنسانية في السعودية، وهل انتهت علاقتهم بهذا البلد بعد أن استقرت أوضاعهم في بلدهم " الثاني" الأردن؟ الملاحظة الأولى هي أن في عمان هناك فلسطينيي الكويت وفلسطينيي الخليج وفلسطيني الضفة لكن ليس هناك ربما لحسن الحظ فلسطينيو السعودية. فلسطينيو السعودية هم فلسطينيون عاشوا في السعودية. الفلسطينيون في السعودية لم يميزوا ولم يتميزوا بل عاشوا ولا يزالون يعيشون علاقة ندية مع السعوديين في أماكن العمل وفي العلاقات العائلية وتحديداً في الصداقات. نحن هنا لسنا بصدد التجارب السلبية من الطرفين هنا أو هناك. الأساس هو أن غالبية من السعوديين والفلسطينيين يعيشون مشاعر صداقة دائمة لا يزعزعها حتى عدم التواصل المباشر هم يعتدون بصداقتهم للعديد من السعوديين ونحن نعتد بهذه الصداقة. " يا رجال بناتي يعتبرون حالهم سعوديات".. يقولها صديقي بلهجة لا تخفي مصداقيتها روحه المرحة.. ذهبت للسعودية وعشت في السعودية ورزقت في السعودية بناتي الخمس، عشت حياة كريمة وكنت مكتفيا بالستر لكنني لم أعمل ثروة مادية وإنما اكتسبت من السعودية الثروة التي لا زيف ولا تكلف فيها. اكتسبت تلك العلاقات الأخوية والعائلية والإنسانية. ثروة لا تتأثر بالبورصة أو تقلب العملات أو أسعار البترول، ثروة باقية في قلوبنا ووجداننا في ماضينا وحاضرنا بل وفي مستقبلنا. أتذكر- يواصل صديقي- عندما زارني والدي رحمه الله في عام 1981م في الرياض ورأى ما رأى من ترحاب به من الأصدقاء السعوديين وقال يومها: - لا بأس عليك ان لم تكن ثروة مادية لقد كسبت قلوب ومحبة أهل هذا البلد. ماذا تبقى لبناتي من السعودية لم تبق صور العمائر ولا الشوارع بالرغم من جمالها بل بقي عمو أحمد وعمتي حصة وخالتي نورة وحبيبتي غادة وسارة وانتصار "صحيح العقارية حلوة لكن الأحلى هو الناس" تقول دجى غادة صديقتها السعودية التي ذهبت بالأمس إلى لبنان لا تكف عن الاتصال بصديقاتها في عمان وبعمو "بهاء" وتقول انها تحب عمان أكثر. لماذا يحبنا هؤلاء كل هذا الحب؟ ذلك لأننا تصرفنا معهم بشكل طبيعي وإنساني واتسم هذا التصرف بالتلقائية البعيدة عن الاعتداد المزيف وضيق الأفق تلك ثروتنا نحن أيضاً والرهان الذي سنكسب من خلاله محبة الناس لنا ومحبتنا للناس وسعادتنا.