يفتقر كثير من اعلاميينا في الوقت الراهن الى اهم مرتكزات النجاح في مهنة المتاعب, وهي الصحافة بأنواعها, الصحافة التحريرية المكتوبة, او الصحافة التلفازية, فربما وجدت الموهوب الذي لم يصقل موهبته بالعلم والتدريب وربما وجدت الاكاديمي الذي لم تمر الموهبة بباب داره, وربما وجدت من تدرب وكسب الخبرة دون ان يدرك اساسات مهنته ولو بعد عشرين عاما من الخدمة المحنطة. الاعلاميون كثيرون ولكن القليل منهم الذين يثبتون جدارتهم بمراكزهم الصحفية, ويستطيعون ان يكسبوا قلوب المتلقين, بحيث يصبحون نجوما في وقت قياسي, ثم يحافظون على هذا النجاح, بل يصعدون فيه الى قمة متسامقة تطول كلما اقتربوا منها, بحيث لا يرون انهم قد بلغوا ما يمكن ان يقفوا عند حدوده ابدا, لان المبدع سوف يوقع شهادة وفاته بمجرد شعوره بانه بلغ المستوى الذي كان يؤمله. مثل هؤلاء المبدعين, الذين يملكون الموهبة, ويحترمون مهنتهم, ويعلمون ان تقصيرهم في الاداء مع قدرتهم على الإبداع فيه يعد منقصة في حق ذواتهم, وقد يؤدي الى فقدانهم احترام الآخرين, مثل هؤلاء ليس لهم ثمن يمكن ان يفاوض عليه, هم الدماء التي تجري في المؤسسة التي ينتمون اليها, وحين تضحي المؤسسة بواحد منهم فانها تبدأ في الانتحار تلقائيا. ان الاعلام هو مفتاح التغيير في المجتمع, ولو راجعنا حساباتنا في مجتمعنا لوجدنا ان كل خطوات التغيير الاجتماعي التي مررنا بها كان احد دوافعها الاعلام بقوة فائقة, ولك ان تلاحظ بطء وتيرة التغيير خلال خمسين سنة مرت بدون فضائيات وانترنت, والسرعة الفائقة في السنوات العشر الاخيرة.. والفرق واسع شاسع, والوضع مرشح ليكون محط دراسة ذات ابعاد مختلفة تتناوله من جميع الاتجاهات. ان الاعلام ليس قضية هامشية, وبقاؤه في مساحة ضيقة غير متطورة او غير متواكبة مع الحياة المتحددة سوف يحرمه من قوة المنافسة مع القوى الاعلامية التي لا تكف عن الحديث, ولا عن التصوير, ولا عن التطوير في كل لحظة من الزمن. اننا ينبغي ان نتجاوز كل اشكال الضعف والتراجع التي اكلت كثيرا من جهودنا دونما ثمرة ناضجة وان نسعى الى التميز, واستقطاب افضل المبدعين في هذا المجال وان نتيح للطاقات المتطلعة للمجد الاعلامي ان تبزغ كما يشاء لها الطموح والعلم والخبرة.. بعد مشيئة الله وتوفيقه. ولا يعني ذلك ان نذوب في غيرنا.. لا.. فنحن نتميز بمبادىء تجعل للدين والانسان حقوقا لا يمكن ان نتجاوزها مهما كانت مهارات التطوير الاعلامي مغرية بما لا يليق بهما, فمثلا حينما يكون هدف اعلام ما الكسب المادي وحسب فلن يضير هذا الاعلام ان يتخذ العري والجنس والفجور الاخلاقي والرعب والترويج للخمرة وسيلة من وسائله لاغراء المشاهد بتفضيله على ما سواه, أي انه يعنيه ان ينجح في استقطاب المشاهد, ولا يعنيه ماذا حدث له بعد ذلك من فساد دنياه واخراه, بينما في الاعلام الهادف لخير الانسانية تتراءى الاهداف طيوفا جميلة مغرية بالاستمرار في محاولة الوصول اليها, ولكن بوسائل مشروعة, فالغاية لا تبرر الوسيلة, والامر يتعلق بتوجيه الانسان فاما الى ما ينفعه ويعلي من شأن حياته, واما ان يغريه بما يهلكه! كما ان الاعلام الناجح هو الذي يوسع دائرة خطابه الاعلامي, فلا يظل يراوح في اقليميته, في الوقت الذي يبث فيه برامجه على اقمار فضائية تصل الى العالم كله. بينما منافسوه يخاطبون الدنيا بأسرها عربيها واجنبيها. والصدق في الاعلام مقدم على الاثارة ولفت النظر وكسب المال, على انه يمكن تحقيق كل هذه المكاسب بأساليب فنية ذات مهارات عالية في التطبيق دون ان يخسر الاعلامي اهم شيء في حياته وهو مبدأه. واذا كنا أمة الاسلام اصحاب رسالة خاصة, فلن تكون لنا خصوصيتنا وتميزنا الا اذا نهضنا في اعلامنا بهذه الرسالة, مبتعدين عن كل المخالفات الشرعية المتفق على تحريمها, مهما كانت دواعي العصرنة الحديثة. والجمال والروعة والابهار عناصر في غاية الاهمية لأي عمل اعلامي ناجح, وبمجرد فقدان احدها فانه لن يستطيع ان يقف في موقف التحدي امام الاخرين. لفتة. الشعور بالتحدي يدفع الى مزيد من التغيير الناجح باذن الله, وبهذا يكون وجود المنافس نعمة لا نقمة.