المتابع لإعلانات الصحف المحلية، على الأقل، عن حملة اشتراكاتها السنوية خلال الأربعة أشهر الماضية، وبقراءة بسيطة يجد أن الصحف قدمت قراءة مستقبلية لأوضاعها المهنية والتجارية. خمس سنوات فقط ويبدو أن هذه الصحف تعلن عن بقاء مشروط بالأخبار الرسمية وربما تدون عائدات تجارية تذكر أو تضمن الاستمرار. فبعد أن كانت الاشتراكات للسنة الواحدة بمبلغ ما ، أصبح بإمكان القارئ الاشتراك بنفس المبلغ لمدة خمس سنوات! البدائل التي صنعها الإعلام الجديد هي منافس لا يمكن تجاهله، المشكلة الوحيدة التي تبدو معالمها الآن هي كيفية الاستثمار التجاري، الإعلاني داخل منظومة الإعلام الإلكتروني بالنسبة للمنتج التجاري المحلي. الإعلانات التجارية هي المصب الوحيد الذي يضمن استمرار الصحف، وهذا المصب المؤقت على وشك أن يتوقف، يتبقى عليه فقط ضمان التواصل مع «العملاء» من خلال الإعلان الإلكتروني. وهذه السنوات الخمس ترتب نفسها من أجل أن يكسب الإعلام الجديد هذا المصب. الاتجاه كله يقول إننا ورقيا انتهينا أو على الأقل صرنا نقرأ ويمكن أن نحدد فترة الفناء. بالطبع لا أحد يجزم أو يستطيع قراءة ما ستقدمه التقنية الإلكترونية من بدائل جديدة، بسبب أنها بدائل سريعة التغير والتبدل، لكن كل المعطيات زمنياً وعلمياً ومعرفياً وحتى جمالياً أعطت الإعلام التقليدي جرعة الموت البطيء أو خيار الفناء الوحيد، ان ينتظر ويقرر في زمن محدد. التصورات المستقبلية لمرحلة الحداثة الإلكترونية في مرحلة إنهاء ارتباط بأشكال وطرق تناول جرعة الحياة، وانتقال التقنية من مرحلة إلى مرحلة بشكل متسارع، تجعلنا نقول إن السنوات العشر الماضية شاركت في «ولادة» جيل سيقطع تماماً تعامله مع أي ورقة أو مشهد ليس من اختياره أو مشاركاً فيه، الآن وخلال الخمس سنوات التي أعلنت الصحف المحلية أنها مرحلة فنائها النهائي. الحداثة الإلكترونية بدأت في صياغة شكل الحياة الجديد، وتركت لنا إما مراقبتها أو المشاركة فيها، وأصبح بإمكانك الآن أن تتابع طفلين لم تتجاوز أعمارهما العاشرة يتحدثان وهما بجانب بعضهما عن طريق التقنية، تقنية صنعت لغتها الخاصة ورمزيتها وأفكارها معها، أفكار ضد التقليدية بكل أشكالها وضد التلقين وبعيداً عن السيطرة والأبوية المطلقة وخارج نظام المؤسسات الاجتماعية. أصبح الشارع بما يحمله من سمات اجتماعية مسرحا للأحداث الاجتماعية الإلكترونية، أصبح المنتج الأهم المتداول منتجاً إلكترونياً، حياتك في جيبك وبأصغر صيغة مادية ممكنة، ومنها تفتح باب البيت إلى عالمك الاجتماعي الجديد، فهل يمكن التنبؤ بفناء صيغنا الاجتماعية التقليدية وانتقالنا إلى مرحلة اجتماعية إلكترونية ؟ المؤسسات (التربوية، الاجتماعية، الدينية، القانونية) ماذا ستفعل خلال هذه السنوات الخمس لتقدم لهم، ولن أقول لنا، لتقدم صيغة مقترحة تتناسب مع المرحلة وتقرأ مستقبلها المتغيّر بشكل لا يمكن التنبؤ به؟ البقاء على صيغة ورقة مختومة لم يعد مجدياً، والعصا لم تعد بيد أحد، والأب الوحيد المطلق صار صفحة يمكن الذهاب منها إلى العالم. [email protected]