يرى العديد من المحللين أنه يتعين على الدول المنتجة للنفط أن توظف الارتفاع الحاصل في دخلها جراء الزيادة الكبيرة في أسعار النفط وارتفاع الإنتاج في تطوير منشآتها النفطية، على اعتبار ان الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك إضافة الى سلطنة عمان غير العضو في أوبك، قد جنت العام الماضي نحو 30 مليار دولار إضافية عن توقعات مستقلة و50 مليار دولار إضافية مقارنة بتوقعات الميزانيات بالنسبة للعائدات النفطية، في حين يتوقع في حال انتهت سنة 2004 على سعر 30 دولارا للبرميل أن ترتفع العائدات النفطية لهذه الدول الى 125 مليار دولار، وفقاً لتقديرات مستقلة. ويذكر ان العديد من الدول المنتجة احتسبت عائداتها النفطية على أساس سعر يتراوح بين 15 و20 دولارا للبرميل في حين كان متوسط سعر البرميل سنة 2003 اكثر من 26 دولارا، فيما احتسبت الموازنات على أساس متوسط إنتاج يبلغ 13 مليون برميل يوميا في حين أن هذا المعدل حاليا ما بين 14 و15 مليون برميل يوميا. وقال رئيس مكتب الشال الكويتي للاستشارات الاقتصادية ان بإمكان دول الخليج استخدام مجمل فائض العائدات الذي تحقق في السنوات الأخيرة لإعادة تأهيل قطاعها النفطي ومنشآتها المقبلة. وبحسب تقديرات رسمية أوردها المكتب فإن على الكويت إنفاق اكثر من 40 مليار دولار لتطوير قطاعها النفطي خلال السنوات ال15 المقبلة، معظمها يتوقع أن يصرف من فائض العائدات النفطية. وعلى صعيد ذي صلة، يرى العديد من خبراء الاقتصاد أنه جراء تداعيات الاضطرابات السياسية والأمنية التي تمر بالمنطقة والارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط بالسوق الدولية، فإن ملامح مسار الإمدادات والأسعار في المستقبل القريب يغلب عليه التشاؤم، بحيث أدى المناخ المتوتر إلى توقعات بأن يفعل وزراء أوبك في اجتماعهم الاخير في بيروت قرارا يؤدي إلى طمأنة السوق وخفض الأسعار. لكن وعلى الرغم من أن قرار أوبك أوقف ارتفاع الأسعار مؤقتا، إلاَ أن هذه الزيادة في العرض لا تمضي بنفس معدلات الزيادة في الطلب، فالاقتصاد الأميركي بدأ يتحرك بالفعل، وهو أمر يهدد بزيادة استهلاك الولاياتالمتحدة من الطاقة بنسبة 9% خلال الخريف فوق ما وصله هذا الاستهلاك في الربيع، فيما ارتفع استهلاك الصين بمقدار 20% خلال عام واحد، والاقتصاد الأوروبي يتأهب للنهوض، وليس لدى العالم موارد نفطية متاحة للضخ بشكل عاجل لتلبية هذا الطلب المتزايد. ويبدو أن هذه الصورة التي ترشح بالقلق هي التي جعلت التخوف من الاضطراب الامني أمرا مهما، ويبدو الأمر الآن وكأننا ندخل مرحلة جديدة هي مرحلة الإرهاب الاقتصادي، والتي لا تبدو منعطفا مفاجئا، إذ ان أحد تفسيرات ضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك كان هو النيل من اقتصاد الولاياتالمتحدة والاقتصاد العالمي، غير أن الملاحظ هو توافق محاولات الإرهابيين في استهداف منشآت نفطية، أي أن أنظارهم بدأت تتجه إلى سبل الضغط على الاقتصاد العالمي انطلاقا من الشرق الأوسط، وليس بالضرورة عبر الذهاب الى الولاياتالمتحدة، الأمر الذي أدى الى طرح قضية أمن النفط بإلحاح أكبر في الولاياتالمتحدة وذلك في مواجهة التشكل المتسارع لملامح الاتجاه الإرهابي الاقتصادي الجديد. ويقول قسم توقعات المخاطر في السوق النفطية بمؤسسة اوبنهايمر الأميركية بنيويورك، أنه لا يرى هدفا أكثر جاذبية للاستهداف من منطقة الخليج، المركز العصبي لصناعة النفط ولصادراتها النفطية الى العالم، في حين ان المسؤولين هناك بدأوا يتحدثون علنا عن هذا الاتجاه الجديد لعمليات الإرهاب التي تستهدف اقتصاد البلاد. وبحسب آراء كبير محللي الطاقة في المركز الدولي لدراسات الطاقة بلندن فإنه لا يمكن استبعاد سيناريو وصول سعر البرميل إلى 100 دولار، إذا ما افتقد السوق قسما أساسيا من الصادرات الخليجية، إلا ان مركز دراسات الطاقة يتوقع ألا يستمر هذا الارتفاع المذهل لفترة طويلة، ويرجع ذلك الى حقيقة أن الولاياتالمتحدة تمكنت من تكوين احتياطي استراتيجي من النفط يزيد الآن على 700 مليون برميل. ورغم الضغوط الراهنة على الامدادات فإن السلطات الأميركية أصدرت قرارا هادئا بشراء نصف مليون برميل يوميا لاضافتها إلى ذلك الاحتياطي الاستراتيجي رغم أن القرار يسهم في زيادة الأسعار. ويمكن القول انه فيما يتعلق بامدادات الطاقة وأوضاع سوق النفط، فإن المناخ العام يتسم بقلق واضح في اللحظة الراهنة، وهو خليط من المخاوف المصاحبة لما يمكن أن يسمى الارهاب النفطي، وبحقيقة أن الطاقة الانتاجية العملية المتاحة الآن لا تكفي لتغطية الاحتياجات المتزايدة للأسواق العالمية، ويتضافر العاملان معا لرفع سعر البترول مهما كانت النوايا الحسنة من أوبك وبقية المنتجين.