الأحساء هذه البقعة الصغيرة في مساحتها من أرض الجزيرة العربية، الكبيرة بتراثها وحضارتها والتي كتب في تراثها وتاريخها العشرات من الكتب المتنوعة لا تزال بكراً في كثير من المجالات.. تنتظر من أبنائها المثقفين وأصحاب القلم أن يشمروا عن سواعد الجد ليميطوا لثام العتمة والغموض عن كنوز مخبوءة في أرضها من أبعاد الحياة الأحسائية منذ القدم وحتى يومنا هذا.. ولقد كتب في الأحساء- تاريخاً وحضارة وتراثاً وحياة اجتماعية- كل من الشيخ عبد الرحمن الملا حفظه الله هذا المؤرخ الفذ الذي يعد مرجعاً علماً لتاريخ الأحساء.. وكذلك الدكتور الملحم الذي تناول التعليم في كتابه ( أشبه بالجامعة). وكتب الشيخ عبد اللطيف العقيل كتابه ( الجفر) ماضيها وحاضرها. وكتب الأستاذ/ خالد الغريب كتابه الموسوم ب ( منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ) وكتب المهندس عبد الله الشايب مؤلفه الذي يحمل عنوان ( مقالات في تراث الأحساء) وكتب الأستاذ/ عبد الله المطلق مؤلفه الضخم ( البوابة الجنوبية للأحساء).. وأخيراً بزغ في سماء الكتابة عن الأحساء نجم الشيخ محمد الحرز فأهدى إلى المكتبة الأحسائية سفره الرائع الذي حمل عنوان ( التعليم التقليدي/ المطوع في الأحساء). هذا المؤلف الذي تكبد مصاعب البحث عن المصادر الشحيحة ليجمع لنا معلومات نادرة وطريفة ومفيدة عن شخصية إحسائية قديمة لها أهميتها في المجتمع الا وهي ( المطوع) أو ( المطوعة).. والمطوع هو معلم الصبيان قبل بدء التعليم الحكومي المنظم أو التعليم الحديث.. ولقد جمع لنا الأستاذ محمد الحرز ما يقارب 300 شخصية من ( مطوع ومطوعة) منذ بداية القرن الرابع عشر وبالتحديد- حسب تاريخ بعض الشخصيات- منذ 1315ه حتى نهاية القرن تقريباً وبالتحديد 1380ه أي أكثر من نصف قرن. وشملت هذه الدراسة أكثر من عشرين قرية ومدينة من العيون شمالاً وحتى الطرف جنوباً.. جهد جهيد بذله الباحث الأستاذ محمد الحرز, ولا بحث دون متاعب وعقبات وتحديات وصعوبات تكاد تحبط الباحث ولكن استعان عليها بالله وجاء لنا بهذا السفر الذي يعد فريداً من نوعه.. ويعد بحق إضافة إلى المكتبة التراثية الأحسائية يذكر له فيشكر.. وإذا أردت- عزيزي القارئ- أن تعرف مدى أهمية البحث وقيمته العلمية والتراثية.. انظر الى مالاقاه الباحث من مصاعب ومتاعب في سبيل اخراج كتابه إلينا بشكل يستوجب الشكر والعرفان والثناء الجميل.. يقول في ذلك: ما أن شرعت في جمع معلومات البحث حتى واجهتني العديد من العقبات التي أدت إلى تعثره في بعض خطواته وكان من أبرزها: 1- شح المصادر التي تتناول الكتاتيب في الأحساء والأطوار التاريخية التي مرت بها. 2- وفاة معظم الشخصيات التي عاصرت تلك الحقبة، أو نسيان دقائق معالم الدراسة في الكتاب ممن بقي منهم على قيد الحياة بسبب الفارق الزمني الكبير. 3- عدم تعاون البعض إما لعدم الشعور بأهمية البحث في مثل هذه المواضيع، أو بسبب النظرة الاجتماعية الضيقة التي تعتبر اسم المرأة عورة لا ينبغي إخراجه وكشف النقاب عنه أمام الجميع، متناسين أن المرأة المسلمة كانت لها المواقف الريادية في نصرة الإسلام وخدمة العلم دون أن ينقص ذلك من قدرها شيئاً وتاريخنا الإسلامي مليء بالعديد منهن. 4- الامتداد الأفقي الكبير الذي تتمتع به منطقة الأحساء وتشعب مدنها وقراها أدى إلى عدم بلوغنا للكثير من الأماكن وبالتالي عدم إدراجها في موضوع الدراسة لا لنقص فيها، وإنما لقصور منا عن بلوغها ومعرفة من كان فيها من المعلمين. فعرفاناً لجميل هؤلاء علينا، وإحياء لذكراهم وما قدموه لنا أحببت أن أصدر هذا البحث المتواضع عله يفي ببعض حقوقهم. جزى الله الباحث خيراً. عزيزي القارئ.. سأسلط الضوء على البحث- موضوعاً- في المقال القادم بإذن الله.