الكماشة آلة حديدية حادة من الطرفين،تقطع كل ما يعترضها في طرفها الأول الذات وطرفها الآخر المجتمع. هذه الكماشة تخص المرأة بشكل عام والمرأة العربية الشرقية بشكل خاص، حيث الذكورة علامة واضحة في مجتمعها، لذلك يصنف المجتمع العربي على أنه مجتمع أبوي أو بطريقي ( بترايك). فمنذ نعومة أظفارها، تربى الفتاة في مجتمعنا على أن تكون فتاة، فيجب أن تتصرف كفتاة وتلعب كفتاة وتتحدث كفتاة وكلمة (عيب....) تكاد تكون كلمة مشتركة بين جميع الفتيات. فلابد للفتاة الصغيرة اللعب بالدمى، ولا يحق لها اللعب بالسيارات أو المسدسات. ولابد أن تتحدث بصوت هادئ ورقيق وتختار عبارات هادئة ورقيقة ( مثلها) أما من ناحية التصرفات فحدث ولا حرج.. فلابد للفتاة أن تكون هادئة الطباع وألا تكون عنيدة، فلابد أن تتنازل لأخيها وللآخرين لإعدادها لمركبة الحياة حتى لا تغرق ويغرق معها المجتمع في المستقبل فهي " أم المستقبل" وتعد الفتاة على أن تكون ذكية ولماحة وداهية في تحقيق مآربها. كأن تتلطف وتترقق وتصبح كالنسمة في حالة رغبتها في الحصول على شيء ما من الآخر ( وعادة ما يكون الآخر هو الأقوى مثل الأم أو الأب أو الأخ) فينغرس في عقلها الصغير أنها طفلة ضعيفة ولابد للأساليب غير المباشرة ( الذكية) للوصول لمبتغاها. تكبر تلك الفتاة كما تكبر جميع الفتيات على تربية الأصول فيتكون في داخلها طرف الكماشة الحاد الأول الذي زرع في داخلها، لكن ما أن تكبر وتصبح طرفاً فاعلاً في المجتمع حتى يتكون أمامها طرف الكماشة الآخر وهو نظرة المجتمع لها. فتجد أن التربية والقوانين التي ربيت عليها في الصغر هي القوانين التي تعاملها بدونية وتنظر لها نظرة ناقصة ومختلة عندما كبرت كيف؟ بكل بساطة، يؤخذ على المرأة في مجتمعنا الشرقي أنها كيان ضعيف، يهتم بتوافه الأمور. ضعيفة في قرارتها، ضعيفة بلغتها ويتناسى المجتمع أن هذه هي القواعد والقوانين التي سنها لها منذ البداية وتقبلتها هي بكل صدر رحب رغبة منها في الانتماء للمجتمع والنجاح في الحياة. وقد تكون مقدمة طويلة لكنها أساسية وجوهرية لمواضيع كثيرة تنشر هنا وهناك ويتحدث بها المجتمع دائماً دون كلل أو ملل. فقد أصدرت صحيفة اليوم ( وهذا على سبيل المثال لا الحصر) قبل عدة أسابيع مقالاً تحت عنوان ( طبيبة: خذوا شهاداتي ومالي وأعطوني أطفالاً). وبالرغم من ان العنوان كبداية كان بالنسبة لي استفزازياً ومؤلماً، لكنني وبعد مدة ليست بقصيرة زادني ألما لا استفزاراً. والسؤال هو ما العجب فيما قالت الطبيبة؟ هل إحساس الأمومة والرغبة في تحقيقها جريمة تحاسب عليها، ( وهذا منطق من لا عقل له، عندما تساوم الحياة كلها من أجل لحظة أمومة).. أم أنه من الضعف الاعتراف بما ربيت عليه منذ صغرها أن الأمومة هي الهدف الأسمى لأي امرأة. حيث أنها طبيبة عليها أن تفرح بالشهادة والمال وتصرخ لنداء الأمومة ( لا للأمومة).. وأن كان لا مشكلة ولا عجب فيما قالت أصلاً فلماذا كان العنوان!!؟ وبالرغم أن هذه الطبيبة وغيرها من النساء قد وقعن بين طرفي الكماشة، وعشن التناقض الواضح في مجتمعاتنا الشرقية،لكن السؤال الذي بقي يدور في ذهني طوال هذا الوقت، هو لماذا على المرأة الاختيار أصلاً؟ لماذا الشهادة والمال.. أو العيال لماذا لا تستطيع أن تحقق الثلاثة معاً كما يتحقق في أي مجتمع آخر؟ وكما يتحقق لأخيها وشريكها في الإنسانية. وأن كان في الطب أو أي مهنة أخرى جريمة تعاقب عليها المرأة وتحرم من إنسانيتها وأمومتها فلماذا لا تغلق الأبواب أمامها منذ البداية لتعيش سعيدة هانئة كما يرغب شريكها بالإنسانية ونتخلص بذلك من الكماشة التي أرقت الجميع.