أخذت عبارة «متصدر لا تكلمني» أبعادا شتى شعرا ونثرا، وأصبحت حديث المنتديات، ولم ينج من ترديدها إلا من ابتعد عن متابعة الإعلام بجميع أنواعه، وهم القلة، استعرت وزن العبارة بعبارة أخرى مشابهة (مهوووس.. لا تزعجني)؛ لأضعها على واقع نشكو إلى الله حالنا منه، نعم إنه الهوس والجنون والتعلق في الهواتف المحمولة، الذي أجزم أنه لم يمر علينا فيما مضى من حياتنا أعظم وأقوى منه، فتعطلت لغة الكلام، وظهر التركيز العالي على الشاشات الصغيرة، التي لا تتجاوز حجم الكف! الغالبية من أفراد المجتمع لم يسلموا من التعلق بهذه الشاشة، التي أصبحت الأقرب إلينا في ساعات النهار والليل، بل وأثناء الأكل والشرب والقيادة، وحتى في دورة المياه -أجلكم الله-. في المسجد أثناء الصلاة قد تمتد اليد لإخراج الهاتف والنظر إليه، وقد رأينا منظر ذلك الطفل الذي مسك بيده زجاجة الرضاعة، وأصابع اليد الأخرى تداعب شاشة الجهاز، وقد ينتهي الحليب وهو لا زال ممسكا بالزجاجة؛ لأنه منسجم ومشغول بالتركيز على الشاشة. ومن يرغب بمعاقبة أبنائه، فليعمد إلى قطع الاتصال بالإنترنت؛ ليرى كيف ستكون أحوالهم، نعم أجزم أن الغالبية فقد السيطرة على أبنائه، ولم يعد قادرا على الحد من تعلقهم بها، ومن يقل غير ذلك نرفع العقال له احتراما! وإني لأتساءل ألهذه الدرجة أصبحنا مأسورين لها؟ وإن كان هناك شيء من حسناتها، فهي وسيلة للتواصل بين الناس، خاصة برامج التواصل الاجتماعي فيما يسمى ب «القروبات» بين أفراد الأسرة الواحدة أو الأصدقاء. السؤال المطروح ما هي نتائج التعلق بهذه الشاشات؟ لا أحد ينكر أن لها آثارا سلبية على النظر والتركيز، ناهيك عن الآثار الأخرى للمواد المقروءة والمسموعة وغيرها. والمشكلة التي قد لا ينتبه لها هي أن التركيز على الشاشة الصغيرة يؤثر سلبا على الدماغ، كما انه سبب مباشر لضعف النظر؛ لأن الشعاع المنبعث من الشاشة يؤثر على الأعين، وإن لم يتدارك الوضع سينشأ لدينا جيل فاقد البصر أو ضعيف البصر، وسنجد من أطفالنا من يضطر لاستخدام النظارة الطبية، وقد ظهرت حالات الشكوى من الصداع والسبب ضعف البصر. الوضع تجاوز حدود المقبول، ويستدعي التدخل السريع من أولياء الأمور، والمقولة السائدة (لن أحرم أبنائي متعتهم)، لن نجني من ورائها سوى الندم، حين لا ينفع الندم، ونحن من يجني عليهم، والحل هو تحديد ساعات معينة لاستخدام الهواتف، وسنجد في البداية معارضة شديدة، لكن مع الصبر وتكرار المحاولة ستنجح بإذن الله.