تنتمي الروائية السورية أميمة الخش إلى الجيل الذي لم يفقد علاقته بزمن الرومانسية،ولكنه يبدو جيلاً باحثاً عن معنى الحقيقة،وعن السرّ المؤرق في كل ما يحدث من حولنا،عبر مجموعة كتبها التي ابتدأتها ب(دعوة إلى الرقص) عام 1991، وصولاً إلى أحدث كتبها (خط الأفق) الذي مازالت تعمل على إنجازه ،تبدو الخش بتماوجها بين القصة والرواية مستقصية،وباحثة في دواخل النفس البشرية،وهي أيضاً محاولة للبحث ربما عن حلول وأجوبة لكل ما يحدث. وفضلت الخش أن تبدأ حديثها بناء على حوار سابق قالت فيه إنها تشعر بالغبطة عند الكتابة وقالت لم أعن قطعاً بأنني لا أشعر بالغبطة إلا عندما أكتب. الغبطة ،التي تمنح وجودنا المعنى والامتلاء، ليست عاطفة أو انفعالاً مرتبطاً بحدث معين،تزول بزواله،بل هي إفصاح عن طبيعتنا العميقة التي تأبى إلا أن تتجلى في النفس الحساسة، المتجاوبة مع خلجاتها الداخلية. وهذه الغبطة تبلغ ذروتها عندما تحقق حالة من التناغم الداخلي بين طبيعتنا العميقة، وملكاتنا النفسية، وهذه الحالة تكون أظهر ما تكون عندما يتحقق ذلك التناغم في عمل نكون مؤهلين للقيام به،أي عندما نسعى الى تحقيق مواهبنا. وفي حديث خاص مع اليوم قالت لا أعتبر نفسي حتى الآن كاتبة محترفة، بمعنى أن الكتابة يمكن أن تتحول بنظري إلى (مهنة) .اليوم ألمس في نفسي تطوراً في خط صاعد من (دعوة إلى الرقص) إلى (التوق)، ومن (انعتاق) إلى (الرشيم). وجلّ اهتمامي منصبّ على تعميق خبرتي في الحياة،وفي الكتابة،لكي يستمر هذا الخط صاعداً ما أمكن. وتضيف الخش قائلة: إنني أهوى الكتابة كما أهوى كل ماهو جميل ونبيل في هذا العالم،وهذا الهوى موجود فيّ منذ أن وعيت نفسي،وهو الذي أتمنى أن يبقى حياً فيّ. وبي دافع مبهم إلى الكتابة عبّر عن نفسه من خلال خواطر اجتماعية وفلسفية متباعدة، لكني اليوم أعتبر أن ما أكتبه أنضج ما كتبت. وعن الكتابة هل هي دافع ذاتي أم من تجارب الآخرين؟ قالت: من المؤكد أن كل كاتب،مهما بلغ من التجرد عن الذات،والموضوعية،يكتب في النهاية (قصته) هو، وشخوصه، مهما تباينت واختلفت، تعبر عن إمكانات كامنة في نفسه. وإذا اتفق للكاتب أن يستلهم حكاية حصلت فعلاً (وهذا حدث لي بضع مرات لدى كتابتي قصصاً قصيرة)، فلأنه وقع فيها على معادل موضوعي ،خارجي لمعنى كامن في نفسه.لكن الصعوبة هي في استخلاص العبرة من الحدث (الحيادي) وصوغه صياغة فنيةً.أما رواياتي،فهي أقرب إلى التعبير عني،وعن أفكاري،وأكثر عكساً لخبراتي،وفهمي للحياة من قصصي،لأنني أعبر فيها،على سجيتي،عن كل ما يعتمل في نفسي من أفكار ، ومشاعر ، ورؤى. وعن اتحاد الكتاب العرب والتي هي أحد أعضائه قالت: إن مهمة أية مؤسسة ثقافية،في النهاية،هي تهيئة كل الظروف المساعدة للأفراد المنتسبين إليها للإبداع، كلٌّ في مجاله،وحماية حقوقهم،ورعاية نتاجهم الفكري.فمن هذا المنطلق ،أرى أن اتحاد الكتاب يؤدي دوراً مفيداً. لكننا نعلم أن الإبداع هو شأن فردي في النهاية ، ومهمة مؤسسة كالاتحاد هي توفير السبل لإظهار هذا الإبداع إلى النور ضمن منطق تعددي لأطيافه الفكرية. وتساءلت الخش هل الواقع الراهن للاتحاد واقع مثالي؟ وتجيب قائلة المثالية قطعاً، ليست من هذا العالم،ووجود الاتحاد أفضل من عدم وجوده،و إن تكن أية مؤسسة،لكي تستمر في القيام بدورها ، عليها أن تجدد نفسها، وتقيم مسارها باستمرار. وتشعر أميمة الخش بالرضا النسبي عن كونها روائية أكثر من أي شيء آخر انطلاقاً من مبدأ ( الثواب على قدر المشقة)، وتقول: إن الجهد الذي تمنحني إياه كتابة رواية يوازي الجهد المبذول فيه. وتضيف قائلة إن كتابة رواية لا تتطلب قدرة على رسم الشخصيات، ومسار الأحداث وحسب،بل إلمام واسع وخبرة مباشرة بكافة مناهج المعرفة الإنسانية التي تغني عملية الكتابة، وتعطيها صدقيتها، كعلم الاجتماع،وعلم النفس،والتاريخ،والفن إجمالاً... عندما يرسم الروائي شخصية رسام،يجب أن يحصل على معرفة كافية بعلم نفس الإبداع الفني، ورموز الفن،وتقنية الرسم ...لذلك أمهد للكتابة بقراءات متنوعة في هذه المجالات لكي تجيء كتابتي على شيء من الاقناع للقارئ.. أما القصة القصيرة، فقالت الخش: إن مدارها فكرة أساسية تعالج ضمن مقطع حياتي،أو إطار زماني _ مكاني،محدود نسبياً، لا يتطلب مثل ذلك الجهد السابق بالتأكيد،وإن تكن كتابتها تتطلب،هي الأخرى،تملكاً من الكاتب لأدواته الفنية. وعن أثر الكاتب في حياة الناس قالت الكاتبة أميمة الخش: إن دوره قد انحسر انحساراً ملموساً، ولاسيما في العالم العربي،حيث مناط أولويات الناس غير معقود على الثقافة. في إشارة إلى أن المثقفين (وصفتهم بالمزعومين) يتكئون فيما يرددون من مقولات على الآراء المكرورة حد الملل في المقالات الصحفية،وبرامج الفضائيات. وأضافت: لقد تحول الفعل المعرفي الخلاق،الذي يعيد إبداع الإنسان من الداخل، إلى مجرد مراكمة فوضوية لمعلومات لا تندرج في رؤية فلسفية كلية إلى العالم. حتى أغلب الكتب الرائجة في سوقنا الثقافية،تتناول موضوعات وظواهر زائلة،وبالتالي غير مغنية معرفياً. واستدركت قائلة: حتى لا أستسلم للتشاؤم أفترض دائماً أن المجتمع يفرز الكتاب الذي يستحقه، وأن هناك دوماً ثلة من القراء في حاجة إلى أفكار ورؤى تساعدهم على تكوين نظرتهم الشخصية إلى العالم، وتروي تعطشهم إلى المعرفة، وتصقل ثقافتهم بهذا المعنى، وهذه الأمور يصعب على غير الكتاب العميق أن يلبيها.