ان الاسلام لا يبيح لابنائه ان يتكسبوا المال كيفما شاؤوا وبأي طرق ارادوا بل هو يفرق لهم بين الطرق المشروعة وغير المشروعة لاكتساب المعاش نظرا الى المصلحة الجماعية. وهذا التفريق يقوم على المبدأ الكلي القائل: ان جميع الطرق لاكتساب المال التي لا تحصل المنفعة فيها للفرد الا بخسارة غيره, غير مشروعة, وان الطرق التي يتبادل فيها الافراد المنفعة فيما بينهم بالتراضي والعدل, مشروعة وهذا المبدأ يبينه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا). فقد شرطت هذه الآية مشروعية التجارة بأمرين: الاول: ان تكون هذه التجارة عن تراض بين الفريقين. والثاني الا تكون منفعة فريق قائمة على خسارة الفريق الثاني. وذلك ما يوضحه قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) من الآية السابقة. وقد فسره المفسرون على معنيين ينطبق كل منهما في هذا المقام. فالمعنى الاول الا يقتل بعضكم بعضا, والمعنى الثاني الا تقتلوا أنفسكم بأيديكم. فمؤدى هذه الآية على كل حال ان كل من يضر غيره, لمنفعته الشخصية, فكأنه ينزف دمه ولا يفتح طريق الهلاك الا على نفسه في نهاية الامر. فالسرقة والارتشاء والقمار والغرر والخديعة والتدليس والربا وكثير غيرها من طرق الكسب, يوجد فيها كل من هذين السببين لعدم المشروعية, واذا كان يوجد في بعضها شرط التراضي يعوزه الشرط المهم الذي يتضمنه قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم).