تعاني الساحة الشعبية من تردي لغة الطرح , لاعتبارات لا علاقة للشعر الشعبي (الحقيقي)بها , وهذه الاعتبارات تجعلنا نتفهم خلفيات هذا التردي , ونضعه في سياقه المفترض , ونتعامل معه وفق منظور عقلاني , يتذرع بالصبر وينتظر الخلاص , ولا يطالب بالمحال ويستدرجنا إلى رد فعل , يحاول أن يزرع المناطق السبخة في الساحة الشعبية , ولكن رد الفعل على هذا التردي يأتي دائما ً بصورة تماثله تماما في المعيار والمنهج واللغة , من مجتمع نخبوي, يستلذ منتسبوه من الرجال والنساء , بهذا المسمى حتى الخدر التام , الذي يجعلهم غير قادرين على تحريك ملكاتهم العقلية في الاتجاه الصحيح , ليتمكنوا من تقييم الأمور بمنطقية راشدة , قادرة على التوصل إلى مكامن الخلل في المنجز الشعري لديهم , ودراسة الأسباب الحقيقية لتراجع النص الفصحوي , بدلا ً من القفز على الحقيقة , ورمي أسباب هذا التراجع الخطير على الآخرين , كما فعلت الكاتبة والشاعرة ظبية خميس , خلال ندوة (إبداع المرأة ) التي عقدت على هامش مهرجان الدوحة , الذي أقيم في عاصمة دولة قطر الشقيقة , عندما قالت ( انها باتت تغار من شهرة الشعر الشعبي وشعرائه , وطغيان اهتمام الإعلام به , وأن هذا النوع من الشعر يساهم بشكل كبير في هدم القصيدة الفصيحة , التي ضعفت وتلاشت نتيجة الدعم الإعلامي الكبير للشعر الشعبي , كما أنني ساخطة على الشعر الشعبي وشعرائه , أولئك المتخلفون والرجعيون , الذين يتأوهون بلا أوجاع , ويتواجدون بلا عاطفة , حقا ً إنهم مزيفون) انتهي كلام ظبية خميس. وأنا اتفق معها في كل ما قالته بحق الشعر الشعبي(المسوق حاليا) وأضيف , إنه يمثل درجة متقدمة من السخف , ويتسم بالسطحية , والتخلف الفكري , وخطابه مشحون بالتأتأة الثقافية , وأنه يفقد كل ملامحه الشعرية الباهتة , وقيمته المتدنية أصلا ً بعد إخراجه من وجودية الوزن والقافية , ومع ذلك تقام حوله الإعراس الإعلامية الصاخبة المتسمة دائما ً بالفوضى والارتجال , ويمارس كتبة هذا النوع من الشعر الرخيص , نرجسية متطرفة تجعلهم يمشون على الأرض مرحا , تحيط بهم هالات ضوئية كاذبة , تتلاشى في المربع الأول من مرحلة اكتشاف الحقيقة المتوارية خلف مراوغاتهم الساذجة , التي تثير الشفقة , ولا تقوم بالشيء الذي تمارس من اجله , وهذا الشيء الممارس دائما ً بغباء ٍ مطبق , يتعلق بمحاولة إخفاء جوهرهم الداخلي المهزوز , وتصحرهم الثقافي وتفاهة اهتماماتهم , ولكن يبدو أن الزميلة الخميس وهي العارفة بماهية الشعر , قد وقعت ضحية للتزوير والمراوغة , التي مارسها هؤلاء الغزاة , الذين يتجولون في مدائن الشعر تحت جنح الظلام , ويتحدثون بلسان أهلها , بينما هم في الحقيقة , مجموعة من أوغاد الزوايا المظلمة في دروب الحياة , إن الشعر الشعبي الحقيقي يكاد يكون غير موجود , نتيجة عملية الانسحاب الجماعي الذي مارسه الشعراء الحقيقيون من المشهد الثقافي , كاحتجاج حضاري لما حل بمدائن الشعر , من انفلات الأمن وغياب القانون , لذلك تقدم هؤلاء الأوغاد وتقدمت لغة الجسد في النص الشعبي , بتفاهة لا تحتمل وتراجع الشعر الحقيقي بكل جماله خلف أسوار الصمت. انني بكل صدق أشفق على القصيدة العربية بكل أشكالها الكتابية لان انهزام القصيدة الفصيحة أمام القصيدة الشعبية (المسوقة) وهي بهذه الحالة البائسة من الطفو الشعري والرداءة والتفاهة والتهتك يدل على وهن القصيدة الفصحوية , وأنها تعاني من غزو ٍ مدمر ,يشابه الغزو الذي دمر القصيدة الشعبية , ولا يختلف عنه إلا في فصاحة اللغة وادعاء النخبوية الجوفاء ,وإن كان هذا التصور غير صحيح , وأن القصيدة الفصيحة , ما زالت تملك الوهج والقيمة الرفيعة , فهذا يعني موت الذائقة الشعرية في أمة الشعر , ويدل على أن هناك خللا ٍرهيبا في التلقي والفهم لدينا , وأننا بحاجة إلى تدوير ٍ ثقافي عاجل , لنعيد صياغة ثقافتنا بصورة أجمل. كم أتمنى أن تكون القصيدة الفصيحة مخترقة , لأنها إذا لم تكن مخترقة , ولم تتعرض إلى عملية تزييف ٍساهم في ترديها وتحللها, وانهزامها بكل هذه البساطة ,يعني أن الأمة تواجه مأزقا ً ثقافيا ً خطيراً, يتطلب إخراجها منه إلى عقود طويلة , تعتمد عل الهدم الشامل وإعادة البناء وفق أساليب مختلفة. لدي يقين تام أن القصيدتين تعانيان من الضعف والتدني , وشبه يقين أن ثقافة الأمة بخير , وأن الشعر بكل أشكاله وأساليبه قد أختطف , ويحتاج من المهمومين من هذا الاختطاف , إلى الكثير من العمل والمواجهة حتى يعود الشعر الحقيقي إلى أهله ويعودوا أهله إليه , أما إن كانت الزميلة ظبية الخميس تعتقد أن القصيدة الفصيحة بخير , ولكنها مهزومة لأنها لم تستطع بكل جمالها وهيبتها مواجهة أشباه الشعراء الشعبيين وقصائدهم المنطفئة , ماذا سيكون حالها لو حضر الشعر الشعبي الحقيقي .؟؟