الكاتب والشاعر فرحان بن عبدالله الفرحان عرف كشاعر يكتب القصيدة التجديدية وككاتب جند فكره لخدمة التراث بكل ما أوتي من معرفة وفهم وسعا في مقالات نشرها عبر صحف ومطبوعات مختلفة للذود عن حياض الأدب الشعبي وكشف أوراق مرتزقة الساحة الذين يقدمون مكاسبهم المادية على حساب القيم الأدبية والمعاني السامية التي لا حياة ولا رفعة للشعر بدونها . فرحان لديه قدرات جيدة في مجال النقد ولكنه وكما يقول تخلى عن هذا المنهج تماما لأسباب سنعرفها عبر هذا الحوار . يعتبر فرحان أن معظم ما تقدمه مجلات الشعر هو تدمير للشعر بكل معنى الكلمة . التقينا بالكاتب والشاعر فرحان الفرحان فكان هذا الحوار وهذه المصارحة : يطلق عليك الكثيرون لقب ناقد ولكن نلحظ عليك رفضك لهذه التسمية وتحفظك على مشروع النقد في الشعر الشعبي بشكل كامل. هل من إيضاحات بهذا الخصوص؟ * قبل أن أتعرف على الشاعر الشعبي جيداً قدمت بعض القراءات النقدية ولكني تخليت عن هذا المنهج تماماً عندما وجدت أن الساحة الشعبية بكل مكوناتها تعاني خللا رهيبا في الادراك المتعلق بالحركة النقدية مما جعلها تصطدم مع النقد في مرحلة مبكرة وقد دفعت ثمن هذا الجهل غالياً فهاهي القصيدة الشعبية تسجل تراجعاً مخيفاً في القيمة الفنية بل انها لم تستطع الحفاظ على المكتسبات التي حققتها في بداية تماسها مع الاعلام كما أن الانتماء للشعر أصبح متاحا لكل من هب ودب وذلك محصلة حتمية لغياب النقد القادر على ضبط حركة النص وحماية الشعر من المرتزقة والمتسلقين، مشكلة الشاعر الشعبي أنه يتوقع من الآخرين أن يتحولوا إلى أبواق تصدح بمفردات التبجيل ولا يحتمل مفردة واحدة تخرج عن هذا المسار لانه بكل بساطة يعتقد أن نقد نصه يمس كرامته ويهين ذاته المبجلة متناسياً أن القصيدة التي لا تثير الأسئلة ولا تستفز الناقد هي قصيدة ميتة، إن تغييب النقد من الساحة الشعبية كارثة حقيقية ذات نتائج مدمرة تطال الشاعر والنص والكتابات الشعرية. ما اللغة التي تنتمي لها قصائدك؟ وهل ترى معي أنك لم تصل بعد للآخرين كشاعر؟ * لا أستطيع أن أحدد بدقة اللغة التى أكتب فيها قصائدي لان الحديث عن الذات يبدو أمراً مربكاً ولكن أعتقد أنني أكتب في منطقة بيضاء بين اللغة الفصحوية واللهجة الدارجة وهذا ليس خياراً بالنسبة لي ربما هو نتيجة منطقية لثقافتي وطبيعتي فأنا لا أقيم نقاط تفتيش في طريق النص أثناء التداعي الشعري بل أتركه ينساب بكل حرية ثم بعد أن تهدأ العاصفة أقيم النتيجة ولكن غالباً أجد نصي يحتاج إلى قراءة معينة ولا أعرف هل هذا يحسب لى أم يحسب ضدي في المقاييس السائدة حالياً في الساحة الشعبية ولكن قناعتي بما أكتب هي من يحدد معيار الرضا. لأنني لست في سباق مع الآخر على حضور يعتمد على النصوص القشرية فأنا أعرف تماماً ماذا أريد من الشعر وماذا يريد الشعر مني لذا لا يمكن أن أدمرعلاقتي بالشعر نتيجة للإنفلات الأدبي الذي تعيشه الساحة الشعبية أما وصولي للآخرين كشاعر فلا أعرف من تقصد بالآخرين إن كنت تتحدث عن الوصول المجرد فأنا أتفق معك في هذا تماماً فهذا الوصول المهلك والفاقد للقيمة لا أسعى إليه مطلقاً أما الوصول إلى المتلقي المدرك فأعتقد أنني وصلت بصورة جميلة فيكفي أنني الشاعر الوحيد في الساحة الشعبية الذى وقف إلى جانب عبدالرحمن العشماوي وجاسم الصحيح وعبدالمحسن حليت في ديوان محمد الدرة الصادر عن مؤسسة البابطين للإبداع الشعري من خلال نص ( الهروب إلى الهزيمة ) وأعتقد أن نشر اتحاد الكتاب العرب وجريدة الحياة لنصوصي يؤكد أنني قادر على الوصول لمن يعرف ماهية الشعر سواء من خلال النص المكتوب بالفصحى أو المكتوب باللهجة العامية . أما الوصول بمفهومه السائد في الساحة الشعبية ووفق آلياته وأدواته فأنا لم أسع إليه بل انني غير قادرعليه اطلاقاً وأتمنى الثبات على ذلك لأن تسويق الذات بالطريقة السائدة عمل لا يليق بشاعر يحترم نفسه. " الوجهة للشمس " من الشرق إلى اليوم ثم الجزيرة حالياً . إلام تعزو هذا التنقل؟ * ربما أنني أقل الشعراء تنقلاً بين المطبوعات فقد بدأت في جريدة (اليوم) ,استمرت زاوية (الوجهة للشمس) ما يقارب خمس سنوات تخللها عام واحد كتبت فيه بمجلة الشرق بجانب كتابتي في (اليوم) وذلك تلبية لرغبة الزميل / سعود الشبرمي عندما تولى ملف ( أنفاس ) وقد كان الأتفاق بيننا أن أتعاون معه حتى يأخذ الملف وضعه بعد ذلك انسحب وقد وفيت بوعدي له أما انتقالي للجزيرة فهو لا يعدو كونه محاولة للوصول إلى القارئ في مساحة جغرافية أخرى ولكن هذا لا يعني القطيعة مع جريدة (اليوم) فأنا أحد أبنائها وأتابعها بصورة دائمة ولا يزال ملف ( في وهجير ) يمثل لى الشيء الكثير فأجمل نصوصي وكتاباتي صافحت القارئ من خلاله. كتبت ذات يوم عن غزو التتار ورمزت بذلك إلى الحملات التى تشن من البعض وتستهدف الشعر الشعبي. هل مازالت هذه الحملات مستمرة ؟ وكيف السبيل لوقفها ودحر رموزها؟ * مشكلة الساحة الشعبية أنها تعاني الانهيارات الداخلية ووجود طابور خامس من الجهلة والمتخلفين فالسواد الأعظم من شعرائها شعراء غير حقيقيين وأغلب كتابها مرتزقة لذا فإن تشبيهها ببغداد أثناء غزو التتار يبدو أنه دقيق إلى حد ما. فالمناوئون للشعر الشعبي يشئون حملات محمومة تفتقد إلى الرؤية المنطقية القادرة على الأقتناع، نعم أتفق مع الجميع في أن الساحة الشعبية تعيش حالة ارتباك وأغلب مطبوعاتها تمارس ظاهرة الطفو الاعلامي وتسعى إلى تكريس النصوص المتهدمة ولكن هل هذا هو الشعر الشعبي الحقيقي؟ الإجابة بكل تأكيد لا. فالساحة الشعبية تحتاج إلى مشروع نقدي كبير يعيدها إلى المكان المفترض ويطرد من فضاءاتها كل الأسماء التى لا تحمل إلا الظلام وأكاد أجزم بأن القصيدة الفصحوية مصابة بنفس الداء ولكنها لم تتعرض لما تعرضت له القصيدة الشعبية وأعتقد أن خلاص الشعر الشعبي من مازقة الذى وقع فيه يحتاج إلى عمل كبير يتسم بالمواجهة حتى ولو وصل الأمر إلى الصدام الأدبي ولكن هذا العمل لا يمكن أن يقوم به فرد بل هو مسئولية جماعيه يتولاها أفراد مخلصون وإعلام ذو مهنية ملتزمة. نعرف أنك غير متابع لمجلات الشعر الشعبي رغم كثرتها وتنوعها. الا ترى معي أنك تبالغ في نظرتك السوداوية لهذا المجلات؟ * مجلات الشعر الشعبي ارتكبت جرائم أدبية بحق الشعر وأربكت الساحة من خلال نشر الفوضى بين جنباتها.. لقد دأبت هذه المجلات على تقديم شعر الجسد بدلاً من الشعر المحترم كما أنها اختلقت معايير هزيلة لقيمة النص الشعبي.. أنا تتملكني الحيرة عندما أتأمل وضع هذه المجلات وأتساءل هل هذا التردي ناتج عن وهن قدراتها التحريرية أما أنها تسير وفق مخطط مدروس يعتمد على تقديم الأدب المكشوف أو ما يمكن أن يسمى ب ( علف الغريزة ) لقد سعت هذه المجلات بقصد أو بدون قصد إلى افساد الذوق العام أما أثرها على الشعر الشعبي فتقديمها لبشاير الشيباني ونجاح المساعيد كشاعرتين تتصدران الكثير من المجلات ادانة لا تقبل الاستئناف والمؤلم أن هذه المجلات السيئة السمعية أصبحت تتكاثر في السنتين الأخيرتين بصورة تثير الكثير من الأسئلة .. أنا لست ضد مجلة بعينها وليست لي أية خلافات شخصية داخل الساحة ولكنني ضد تدمير الشعر مهما كانت المبررات ولا أستطيع أن أفهم لغة الأغراء الجسدي التي تدور حولها هذه المجلات من الغلاف إلى الغلاف .. نعم المرأة عنصر مهم من عناصر الحضور الشعري ولكن لا يجب أن تحضر بهذه الطريقة المؤسفة لقد تبت عن قراءة هذه المجلات منذ ما يقارب خمس سنوات وإن كنت ألمح في مجلة ( بروز ) محاولة لحضور مختلف من خلال طرحها الأدبي والاجتماعي خلال الأشهر القليلة الماضية والتي جرجرني إلى قراءتها بعض الزملاء .. كم أتمنى أن تعيد مجلات الشعر الشعبي صياغة حضورها لأن هذه الاعادة ستفتح آفاقاً شعرية مدهشة. لجوؤك إلى الأسقاطات التاريخية سواء كان ذلك عبر ذكرك شخصيات أو أماكن في قصائدك تكرر كثيراً . ما السر في ذلك؟ * عندما أواجه مشروع قصيدة جديدة أتحرر من كل القيود وأكون على درجة عالية من الصفاء والشفافية ولم يسبق لي أن رسمت مسارا محدداً للنص سواء من حيث المفردة أو الصورة الشعرية أو البنائية .. ربما يكون هذا الاسقاط التاريخي هروبا من واقع بائس على جميع المستويات.. ربما يكون أعجابا كامنا في اللاوعي بهذه الشخوص الخالدة.. بكل صدق لا أملك أجابة محددة عن هذا السؤال ولكن من يتأمل الواقع العربي عبر كافة المستويات وينظر بدقة لكيفية تعاملنا مع الحياة ومع بعضنا البعض ربما يجد أن هناك مبررا منطقيا لهذا النهج الشعري خصوصاً أن الشخوص والأمكنة التي أتناولها تحتل أماكن مضيئة في الذاكرة العربية. لك تجربة لا بأس بها مع منتديات الشعر على الأنترنت، باختصار شديد ما الذي يعيب هذه المنتديات؟ وهل ترى لها إيجابيات معينة؟ * منتديات الشعر على الأنترنت تتميز بفضاء أرحب من حيث حرية الطرح ولكن مشكلتها الحقيقية عدم فهم الشاعر الشعبي لحدود هذه الحرية لأنه تشرب بسلوكيات الساحة الشعبية كما أن هذه المنتديات فاقت المجلات الشعبية بالاسراف في توزيع الألقاب الأدبية مما نسف أغلب الآمال الجميلة التي كانت تراود أحلام القلقين على حال الشعر ولكن لا يجب أن نغفل أن هناك أسماء شعرية جميلة انطلقت من هذه المنتديات وربما لو اتجهت للإعلام الشعبي المكتوب مباشرةً لقتلها ففي ذاكرتي أسماء جميلة بدأت المسار نحو الألق من هذه المنتديات كالزملاء/ نواف الدبل وصالح الحمود وتركي المشيقح وبندر المحيا وحزام المالكي وماجد العمري بالاضافة إلى الكثير من الشعراء والشاعرات القادمين. في مقالات سابقة يؤخذ عليك إظهار إعجابك الشديد بالشاعر نايف صقر ومحاولاتك الدائمة لتقديمه للجميع وكأنه الشاعر النموذج، هل للعلاقة الشخصية دور في ذلك؟ * نايف صقر شاعر جميل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وليس بحاجة إلى فرحان الفرحان كي يقدمه.. من يقرأ أشعار نايف بعيداً عن توصيات إعلام الساحة يجد أنه أمام شاعر يحمل فلسفة شعرية راقية .. قد تكون مدرسة نايف الشعرية لا تعجب البعض ولكنه يبقى رقماً مهماً في تجربة الشعر الشعبي كما أنه يحمل ثقافة شعرية عالية تكسبه حضوراً مدهشاً .. أنا لي أصدقاء شعراء قريبيين إلى قلبي أكثر من نايف بمراحل ولكن نايف أقرب منهم إلى بعض قناعاتي الأدبية لذا فأنا لا أتحرج عندما أصفه بالشاعر النموذج وأود هنا أن أهنئه على صدورديوانه ( غشام ) والذي كتب مقدمته الأمير/ بدر بن عبدالمحسن وأعتقد أن هذا تشريفا لشاعرية نايف وشهادة لا تقبل الاحتمالات الأخرى وأود هنا أن أتوجه لإعلام الساحة الشعبية بعتب مرير للانصراف غير المبرر عن البدر فهذا الانصراف يعتبر أحد أشكال الانتحار الأدبي ولا أجد أي مبرر مقنع لهذه القطيعة بين الصحافة والبدر والذي يعتبر رائداً من رواد الشعر الشعبي. قال لي أحدهم ذات لقاء ان فرحان الفرحان شاعر يقتل جمال قصائده بضعف إلقائة. هل ترى الشئ نفسة؟ * لا أريد أن أتخذ موقف الدفاع في هذا الشأن .. نعم أنا لا أحتفي بقصائدي كما يجب. بل انني لست مغرماًً بالشعر ولكني لم أستطع الخلاص منه.. أنا أعرف أن نصي يعتمد على الرمزية والصور الشعرية المتعددة الإيحاءات والجمل الشعرية المركبة وأظن أن قراءته بهدوء تجعل وصوله للمستمع أسهل ثم انني عندما أوضع في ظروف غير ملائمة للتجلي الشعري أفقد الكثير من وهج حضوري ويجب أن أعترف بأنني لا أميل إلى مسرحة نصوصي بل أتركها تقدم نفسها بكل هدوء وتسجل الحضور الذى تستحقه . أما أن أقلب منبر الإلقاء وأثير الحضور بالصخب المفتعل والذى يجعل الحضور الشعري مشهدا من الفوضى فلن أقدم عليه مهما كانت الظروف . عموماً إلقائي قصائدي من الأمور النادرة التي تحدث وسأعيد تقييم هذا الجانب في تجربتي فإن وجدت أنه يحتاج إلى تطوير لا يتعارض مع اداب الشعر فسأسعى إليه ولكن تأكد أنني لن إلقي قصيدة رومانسية بحماس وتشنج كما هو سائد في الساحة. بصفتك أحد إعضاء المنتدى الشعبي بالشرقية الفاعلين وبعد مرور أكثر من عشرة أعوام على تأسيسه. ما الذي تتمناه للمنتدى في المرحلة القادمة؟ * أولاً يجب أن أعترف بتقصيري تجاه المنتدى وذلك راجع لظروفي العملية وبعد المسافة بين سكني ومقر المنتدى. كما أنني كشاعر من شعراء المنطقة الشرقية أشعر بالفخر بوجود المنتدى لأنه يمثل حالة استثنائية في شعر المرحلة من حيث الأهداف والفعالية. كل ما أتمناه أن يفهم الشاعر رسالة وأهداف المنتدى جيداً أما المنتدى فأنا مطمئن لمسيرتة السابقة والحالية لأنني أعرف أسرة المنتدى جيداً سواء ادارة أو أعضاء وأعرف حرصهم على رقي الحركة الشعرية ليس على مستوى المنطقة الشرقية فقط ، بل على مستوى المملكة. بكل صدق يعتبر المنتدى الشعبي بالدمام واجهة ثقافية مضيئة في ساحة يسودها الظلام .. فقط أتمني من ادارة المنتدى أن تعقد العزم على عطاء متواصل لعشر سنوات قادمة أما النتائج فأنا مطمئن لها تماماً. ما رأيك فيمن يعتبرون الأمسيات الشعرية ميادين سباق وما العوامل المؤدية لنجاح الأمسية في نظرك؟ * مشكلة الشاعر الشعبي أنه في سباق مع الزمن بدون أن يحمل مؤهلات هذا السباق لذا تجده يتعاطى مع الحياة برعونة ويفتقد النظر للأمور بميزان العقل لذلك تأتي الأمسيات مشحونة بالممارسات السخيفة نتيجة أوهام خاطئة تعتمد على أحراج الزميل المشارك بالأمسية ومحاولة تهميشه وهذا خطأ فادح . فنجاح الأمسية عمل مشترك والنجومية مساحتها رحبه وتتسع للجميع كما أن اقامة الأمسيات في أماكن لا تليق بالشعر عملية يجب أن تتوقف ويجب إسناد اقامة الأمسيات للجهات الرسمية كالمنتديات والأندية والمؤسسات التربوية والمراكز الصيفية . أما أن تقوم بتنظيم الأمسيات صالات الأفراح ومعارض السيارات فهذا جنون يجب أن يوقف. وأعتقد أن الأمسية الناجحة تحتاج إلى حسن اختيار الشعراء وتحتاج لمكان يليق بالشعر وهذا بكل تأكيد سيؤدي إلى النجاح وبالمناسبة دعني أهنئك على نجاح أمسية كلية العلوم الصحية التي شاركك بها الزميلان/ عبدالله ناصر العتيبي وأحمد الفهيد. لقد كانت أمسية ناجحة بكل المقاييس وحظيت بجمهور مثالي وأسمح لى أن أشكر جمعية الثقافة والفنون بالدمام ممثلة في رئيسها الأستاذ/ محمد الشريدي وزملائه رؤساء الأقسام على حرصهم على حضور الأمسية. أنت ممن يقفون إلى جانب شعر التفعيلة مع علمك برفض الكثيرين له ولمن ينتمون له. هل وقوفك هذا عن قناعة بجدوى هذا النوع من الكتابة أم مجرد حماس لأناس معينين برزوا في هذا المجال؟ * أتابع بدهشة الجملة المحمومة على شعر التفعيلة والتي تنامت خلال الأشهر الستة الماضية وإن كنت لا أعرف أهدافها ولا أتفهم منطلقاتها .. شعر التفعيلة ليس ابناً غير شرعي للشعر كما هو الاعتقاد لدى البعض فإشكالية الاعتراف به ثابتة منذ أيام مدرسة الديوان وأعتقد أن هناك مشاكل خطرة في الساحة الشعبية أتمنى لو ينصب الاهتمام عليها لمحاربتها بدلا من الجدل حول قصيدة التفعيلة والتي تعتبر تكنيكاًً متقدماً في كتابة الشعر لا يجيده إلا المبدعون فأساليب كتابة الشعر ليست شيئاً مقدساً فأعتقد أن من حق أي شاعر أن يرفض التماس مع قصيدة التفعيلة من المهد إلى اللحد قراءة وكتابة ولكن أن يمارس عملية الشطب بحق مشروع شعري كبير بشخوصه ونتاجه الشعري فهذا أمر لا يمكن تفهمه فلا يستطيع رأي رافض أن يهمش شعراء بحجم غازي القصيبي ونزار قباني والسياب والبياتي وفاروق جويدة وبدر بن عبدالمحسن وعمر الفرا ومظفر النواب.. واعتقد أن البعض اتخذ هذا الرفض القوي من جانبه نتيجة تردي تجارب كتابة شعر التفعيلة في الساحة الشعبية ولكن يجب ان نعترف بأن الشعراء القادرين على كتابة شعر التفعيلة وفق الأساليب الصحيحة لا يتجاوزن عشرة شعراء على أكثر تقدير وهذه الحقيقة لا تدين شعر التفعيلة ولا تلغيه بل تؤكد قصور أدوات شعراء المرحلة . ما الذي يجعل البعض ينظر لشاعرات الساحة نظرة قاصرة تسلبهن حقهن في التواجد؟ * هذا السؤال هو صدى للغط جاهلي يدور في مجالس الرجل في الساحة الشعبية .. الشعر النسائي ( المكرس ) ليس استثناءً من حالة التردي التي تعيشها الساحة أما إلقاء التهمة على شعر المرأة بلا أدلة فهو وأد لشاعريتها يشابه وأدها في العصر الجاهلي.. للمرأة حضور مشرف في العلوم البحتة كالطب والهندسة والرياضيات والحاسب الآلي فهل يعجزها الشعر ؟!! لنكن منصفين ونتخلى عن أنانيتنا الذكورية فالشعر النسائي سيبقى موازيا ً لشعر الرجل فالإشكالية ليست في شعر المرأة في ذاته، بل في سياسة مطبوعاتنا وضوابط نشرها المنحازة لقناعات أخرى. أنا متأكد من أن أغلب هذه المطبوعات تريد ( راقصة مع الذئاب ) ولا تريد شاعرةًً تتميز بحضور مدهش .. إشكالية الشعر النسائي موجودة في عقل الرجل وسياسة النشر وليست في النص، أما تهمة كتابة الرجل للمرأة فهي تهمة مؤسفة فالمرأة أصبحت تتماس مع العالم عبر أساليبها الخاصة وتستمد حضورها الشعري من نفس المنابع التي يستقي منها الرجل همومه الشعرية لذا تأتي النصوص متقاربة في الرؤى مما جعل الجهلة والمتخلفين يذهبون خلف أوهام مثيرة للشفقة .. نصيحتي للشاعر الشعبي أن يهتم بنصه فهو بحاجة إلى رعاية تعيد إليه الحياة ويترك نص المرأة فهو قادر على الحضور المبهج متى ما رفع الرجل وصايته عنه.