تعتبر المملكة من الدول التي تكثر فيها نسبة الحوادث حيث يقع سنويا ما لا يقل عن ربع مليون حادث مروري يذهب ضحيته أكثر من أربعة آلاف وفاة ونحو ثلاثين الف مصاب من بين هؤلاء المصابين من يخرج باعاقة مستديمة ويصل عددهم الى الفي شخص سنويا, هذا فضلا عن الاثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي تنجم عنها هذه الحوادث. هذا على الرغم من الجهود المضنية (مادية ومعنوية) التي تبذلها حكومتنا الرشيدة اكرمها الله واعزها لمنع والحد والتقليل من هذه الحوادث الا انها ما تزال اشد الاخطار التي تهدد حياة الناس وسلامتهم وهي في تزايد بشكل مطرد. وتهدف الحملات المرورية الى نشر الوعي باصول القيادة الآمنة, ويوم الصحة العالمي لهذا العام يرفع شعار سلامة الطرق في منع الحوادث) والذي يتزامن من فعاليات المرور الخليجي العشرين تحت شعار (السلامة المرورية مسؤولية الجميع). والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا هو حوادث المرور مسؤولية من؟ في الحقيقة ان مسببات حوادث المرور لها ثلاثة عناصر رئيسية متداخلة ومترابطة مع بعضها البعض, كما يوضحها الرسم التوضيحي وهي: العنصر البشري (سائق - ركاب - مشاة) وعناصر جامدة (الطريق - المركبة) وعناصر متغيرة (الطقس - الليل والنهار - اوقات الذروة). ولكل عنصر من هذه العناصر قواعد سلامة خاصة به فان لم نكن جميعا ملمين ومنفذين لهذه القواعد فاننا سنعرض انفسنا والآخرين لحادث سير مخلفا وراءه معاناة والم وموت. فلنستعرض هذه العناصر بشيء من التفصيل للوقوف على ابعاد المشكلة. اولا العنصر البشري: يشترك فيه السائق والركاب والمشاة في المسؤولية يتحمل السائق الجزء الاكبر من المسؤولية من مجموع هذه الحوادث بنسبة تصل الى 70%, باعتباره هو الذي يجلس وراء مقود السيارة فاذا كان هذا السائق غير واع ومدرك للوائح الامن والسلامة المرورية او مستهترا بها فان النتيجة الحتمية حادث مروري, الاسرة والمدرسة ووسائل الاعلام وادارة المرور عليهم جميعا تقع مسؤولية بث وغرس روح الوعي باصول الامن والسلامة لدى السائق والركاب والمشاة اثناء القيادة والمشي وركوب السيارة وعدم التهاون بانظمة ولوائح المرور وبيان المخاطر الناجمة عن هذا التهاون مهما بلغ حجمه. ثانيا العناصر الجامدة: وهي المركبة والطريق.. فهناك نسبة من الحوادث تعزى الى المركبة وذلك عندما تنعدم فيها شروط الامن والسلامة, ومسؤولية توفير العربة الآمنة يقع بالدرجة الاولى على الغرفة التجارية بصفتها الجهة التي تضع المواصفات والشروط التي يجب ان تتوافر في المركبة التي تتناسب مع ظروف وبيئة المنطقة, ثم دور السائق بمتابعة صيانة مركبته بشكل دوري لضمان كفاءتها وسلامة سياقتها وبعد ذلك يأتي دور ادارة المرور للعمل كمراقب وملزم ومحاسب فيما يتعلق باستمرارية استيفاء المركبة على شروط السلامة وكان احد طرق المراقبة هذه ايجادها (الفحص الدوري للمركبة) الذي الزمت به السائق. والعنصر الثاني من العناصر الجامدة هوالطريق فهو يلعب دورا كبيرا ومهما لا يستهان به في زيادة او التقليل من نسبة حوادث المرور, ومسؤولية توفير الطريق الآمن يقع على عاتق وزارة المواصلات والبلدية المشرفين على تخطيط وصيانة الطرق كذلك ادارة المرور لها دور مهم وحيوي في هذا المجال عن طريق كتابة التقارير عن الطرق التي يتكرر فيها وقوع الحوادث ليتم دراسة مسبباتها مع وزارة المواصلات والبلدية للوصول للحلول المناسبة التي تكفل تفاديها واريد هنا ان اركز على اهمية دور الطريق في حوادث السير فاحيانا كثيرة يكون الطريق هو السبب المباشر للحادث لعدم توافر مقومات الامن والسلامة فيه مثال ذلك (عدم توفر اشارات تحذيرية - وجود حفر في وسط الطريق تفاجئ السائق - عدم توافر اشارات ضوئية في التقاطعات المزدحمة - ضيق الطريق.. الخ). ثالثا العناصر المتغيرة: وهي الطقس - الليل والنهار - اوقات الذروة, صحيح انه لا يمكننا التحكم في الظروف الجوية وقد لا يمكننا الحد بصورة كبيرة من حركة المرور في اوقات معينة ولكننا نملك اساليب فعالة للتقليل من سلبيات هذه الظروف الا وهي الوعي والارشاد والتثقيف كذلك نملك الاساليب الفعالة التي تمكننا من ايصال هذه الثقافة للسائقين والركاب والمشاة وهي المدرسة ووسائل الاعلام ومسؤولية نشر هذا الوعي يقع على عاتق وسائل الاعلام والارصاد الجوية وادارة المرور. وبعد ان استعرضنا وبشكل مقتضب لمثلث مسببات حوادث المرور يتضح لنا ان مسؤولية هذه الحوادث مقسمة على اضلاع المثلث بالتساوي, فاي تقصير من احدهم قد يؤدي الى حادث مروري مروع. والسؤال هنا هل نحن فعلا عند وقوع حادث ما ندرس مسبباته آخذين في الاعتبار هذه العناصر, ام انها مجرد نظرية على ورق؟ الجواب المؤسف الذي نعرفه جميعا هو: لا يتم اخذ هذه العناصر في الاعتبار.. فجميع حوادث المرور تعزى مسؤوليتها الى طرف واحد فقط هو السائق فهو المسؤول عن سلامة المركبة هو المسؤول عن سلامة الطريق وهو المسؤول عن توعية الركاب والمشاة.. الخ, اما تقصير البقية فلا يؤخذ في الاعتبار ولا يحملون ادنى مسؤولية, وهذا - في رأي - ثغرة في قانون المرور يجب ان تدرس ويعاد النظر فيها وانني لا اقصد ان نخلي مسؤولية السائق كلية ولكن اننا نعلم ان هناك حوادث مرورية كثيرة يتكرر وقوعها يكون السائق لا دخل له فيها ومع ذلك تمر علينا مرور الكرام دون التفكير في معالجة المشكلة وذلك لاننا حصرنا تفكيرنا عند معاينتنا للحادث في زاوية واحدة وهي زاوية السائق, وبعد ذلك ننتظر حلا للمشكلة! فكل ما يتم عمله عند حدوث حادث مروري هو اكتفاء رجل المرور بتحديد نسبة الخطأ على السائقين ليقوم الاعلى نسبة خطأ بالتعويض للآخر ويقفل الملف, هذا هو الاجراء العقيم المتبع من قبل رجال المرور. وانني هنا لا اريد ان اطعن او اشكك في الجهود الصادقة لادارة المرور في رغبتها الاكيدة وحرصها للحد من الحوادث المرورية فليس هذا ما قصدته, ولكني اطرح المشكلة من زاوية قد تكون غافلة عن البعض ومعروفة عند البعض الآخر ولكن لسبب ما لا نريد ان نعترف بها لما قد يترب عليها من التزامات جزائية. اني ارى اننا لو وضعنا في اعتبارنا عند معاينة حادث سير, دراسة الاضلاع الثلاثة الرئيسية المسببة للحوادث التي تم شرحها آنفا لتحديد المتسبب الرئيسي للحادث, فاننا سنضع يدنا على الحل الامثل لحوادث السير وستكون النتيجة علاج شاف للجرح الدامي الذي ينزف في جسد وطننا منذ امد طويل وهو في تزايد مطرد والى وقتنا الحاضر لم نتمكن من السيطرة عليه. ما اردت ايضاحه هنا هو ان هناك اطرافا عدة تتحمل مسؤولية اي حادث مروري وهذه الاطراف هي: السائق, الاسرة, المدرسة, ادارة المرور, وسائل الاعلام, وزارة المواصلات, الارصاد الجوية.. ولكل طرف من هذه الاطراف قد يقع على عاتقه تبعات اي حادث, فاذ اردنا ان نحقق ما يعرف بمصطلح (السلامة المرورية) والتي يمكن تعريفها بانها مجموعة من البرامج والخطط التي تصمم ضمن نظام مروري معين وتنفذ من اجل تحقيق بعض او كل الاهداف الآتية: 1- التقليل من احتمالية وقوع الحادث المروري. 2- التقليل من اعداد الحوادث المرورية. 3- التقليل من خطورة حوادث المرور عند وقوعها. للوصول لتلك الاهداف النبيلة يجب علينا تحديد مسؤولية الحادث عند وقوعه وتحميل المسؤولية الطرف المتسبب وقبل ذلك يجب علينا تفهم الدور المنوط بنا في مجال السلامة المرورية سيسهم مساهمة فاعلة في عملية التقليل من نسبة حوادث المرور.. سيسهم في وضع تخطيط استراتيجي مؤسس على فهم معمق لماهية السلامة المرورية وابعادها المختلفة.. وسيكون دافعا لكل طرف للقيام بالمهام المنوطة به على اكمل وجه, لعلمه انه سيدفع ثمن تقصيره وتهاونه, وخلاصة الحديث ان السلامة المرورية مسؤولية الجميع وليست مسؤولية طرف واحد ويجب علينا كمسؤولين عن هذا الامر ان نعي ذلك ونأخذه بعين الاعتبار اذا كنا جادين في العمل للحد من هذه الحوادث وما تخلفه من مآس وآثار سلبية ونفسية واقتصادية على الوطن والمواطن. د. احمد عبدالله العبيد