حتى لا يطلب مني الوقوف بجانب الروائي عبده خال , أمام قاضي المحكمة التي تقدمت إليها الروائية قماشة العليان لإنصافها من نقده لروايتها "عيون على السماء", لذلك سأكون في غاية الحذر وأنا أكتب مادة هذه الزاوية , والتي سأقدم في بدايتها اعتذاري الشديد لبعض شعراء الساحة الشعبية عن كل مفردة نقد ٍ قاسية كتبتها ضد ممارساتهم غير المقبولة , والتي لا تتجاوز في أغلب الأحيان محيط المهاترات الصحفية المعروفة الهدف , أو تصرفات غير سوية كنا نعتقد أنها حصر على ساحة الشعر الشعبي لطبيعتها وظروفها الخاصة, ولكن رغم كل ذلك لم يحدث أن تقدم شاعر شعبي بشكوى أدبية إلى المحاكم, كما حدث من الروائية قماشة العليان , والتي تنتمي "أو هكذا يفترض" لمجتمع ثقافي رفيع يصنف ذاته بالنخبوية الفكرية , القادرة على الحوار الأدبي في أضيق مساحة متاحة واستيعاب الرأي الأخر مهما كان قاسيا ً . لقد قرأت دفاع الروائية قماشة عن تجربتها والذي قمعت فيه الرأي الآخر , وحاولت باستماتة حرق مساحات التسامح الأدبي , بينما المتوقع منها أن تكون اكثر حكمة وان تترك الرأي العام في المشهد الثقافي ينصفها , إن كان نقد عبده خال قد مارس الشطب والإلغاء وذهب خلف حدود الرأي الفني كما قالت , بدلا ً اللجوء للقضاء الشرعي والتنصل من روايتها التي تمثل مرحلة محسوبة من تجربتها , والاحتماء بجائزة أبها للرواية والتي لا ترقى لان تكون جائزة يمكن أن تمثل مرجعية حكم أو معيار تقييم , لاعتبارات كثيرة قد لا يتسع المجال لذكرها . ان الاحتكام إلى المحاكم الشرعية في شأن أدبي توجه غير مسبوق, يؤشر إلى غياب مقدرة الدفاع عن النفس بطريقة أدبية, و يدل على أن فضيلة الاختلاف مغيبة تماما ً, كما أنه يؤكد أن لدينا خللا رهيبا في التعامل مع الرأي الآخر , وأن نخبويتنا الثقافية تعاني من أزمات فكرية تجعلنا نطالب بإعادة فحص واقعها بكل مقوماته . لقد تحدث عدد من النقاد والأكاديميين مثل د. عالي القرشي , د. سلطان القحطاني , د.محمد الشنطي , د. عزيزة المانع من خلال جريدة ( اليوم ) حول هذا الانحراف في مسار الحوار الثقافي , ولكنهم جميعا ً أحجموا عن أبداء الرأي الفني في الرواية مثار القضية , وهذا الإحجام المستغرب يوحي بأنهم لم يقرأوا الرواية وإن كان هذا صحيحا فهو بحد ذاته رأي مهم , وإما أنهم مارسوا الهروب من النقد, والذي يجعل الإشراق الفكري المحيط بمجتمعنا الثقافي وهما ً تم نسجه في فضاء المفردات الفضفاضة المعتادة في لغة هذا المجتمع , ولربما أن تردد هؤلاء النقاد عن إبداء الرأي حول نقد عبده خال وحول القيمة الفنية للرواية كان أولى نتائج لجوء الروائية إلى القضاء , وبكل تأكيد أنني لو سألته عن رأيي كقارئ للرواية فسأكتفي بالصمت الذي صنف على أنه أحد دلائل الحكمة في الثقافة العربية . الآن وبعد إزاحة الستائر عن واقع مجتمع النخبة الثقافية لدينا والتي يستلذ أهلها بهذا المسمى المخملي المظهر , هل نستكثر على بعض شعراء الساحة الشعبية ممارساتهم والتي لا تتجاوز المهاترات الصحفية بهدف الخروج من أسوار العتمة, أم أن هؤلاء الشعراء كانوا أساتذة في تسويق ذواتهم خصوصا ً وأن هناك من بدأ يقتفي آثارهم ويسير على خطاهم , لذلك فهم يستحقون منا الشكر , وأن نقول لهم أعملوا ما شئتم أيها الشعراء فانتم لكم فضيلة السبق دائما ً باستثناء اللجوء إلى المحاكم فقد سبقتكم بها قماشة . @@ مقطع شعر : أخي .. لا تكن مثل عاصفة الرمل .. تدفن كل المعالم .. وتخفي عن العابرين الطريق .. أخي .. لا تقم تحت حرفك .. للحرب راية .. وتدخل معركة لم تثور .. فأنت وكل الرفاق .. تعيشون في مأزق الرأي .. تتوقون للشمس .. للنور .. للصوت يعبر كل النقاط .. بلا خوف يقتل روح الحوار.