جملة واحدة كادت توقف مسلسل تدابير بناء الثقة بين المغرب وجبهة البوليزاريو الذي عملت عليه الاممالمتحدة سنوات اربع ونجحت اخيرا في الوصول الى انطلاقته بوصول 21 صحراويا يقيمون في مخيمات تندوف الى مدينة العيون كبرى المدن الصحراوية و 19 صحراويا يقيمون في العيون الى مخيمات تندوف الواقعة في الأراضي الجزائرية.الجملة جاءت في تصريح لاحد هؤلاء القادمين حول نزاع الصحراء الغربية، يشتم منها رائحة السياسة التي حرم ان تكون حاضرة او متواجدة في هذه التدابير التي اتفقت الاطراف جميعها على طابعها الانساني.مسلسل تدابير بناء الثقة، الذي كلف مجلس الامن الدولي المفوضية العليا للاجئين رعايته والاشراف على تنفيذه، يعني تبادل زيارات عائلية بين صحراويين اضطرهم نزاع الصحراء المتفجر منذ 1975 الى اللجوء الى مخيمات اقيمت لهم على عجل في تندوف غرب الجزائر والزويرات شمال موريتانيا والصحراويين الذين بقوا في الصحراء الغربية التي بسط المغرب سيادته عليها بعد انسحاب قوات الاحتلال الاسباني.وعنوان المسلسل يحمل في طياته الكثير من الاسى الذي يعاني منه الصحراويون المشتتون لا يفصل بين افراد العائلة الواحدة الا عشرات الكيلومترات. لكنه النزاع الذي حرمهم، على مدى اكثر من ربع قرن من اللقاء وصلة الرحم. أربع سنوات من المفاوضات فبعد اتفاق مدريد في نوفمبر 1975 بين المغرب وموريتانيا من جهة واسبانيا حول الصحراء التي كانت تعرف بالاسبانية، اعلنت جبهة البوليزاريو مدعومة من الجزائر حربا على الاتفاق وموقعيه. وخوفا من آثار المواجهات المسلحة، هرب عشرات الالوف من الصحراويين الى الجزائر واقامت لهم جبهة البوليزاريو مخيمات اطلقت عليها اسماء المدن الصحراوية.ويعيش في مخيمات تندوف حسب لجنة تحديد الهوية التابعة لبعثة الاممالمتحدة في الصحراء (المينورسو) حوالي 40 الف لاجئ فيما يقيم في مخيمات الزويرات حوالي 20 الف لاجئ فيما حددت في اقاليم الصحراء المغربية بحوالي اربعين الف صحراوي. كانت الإتصالات المباشرة بين هؤلاء مقطوعة تماما، وطرفا النزاع كانوا يمنعون اي اتصال بين الصحراويين. كانت الاتصالات تتم عبر رسائل سرية تحمل من اب لعائلته او من شاب لأمه وأبيه أو من أخ لاخته أو أخيه أو في سياق لقاء مرتب بدقة في عاصمة اوروبية.كان المغرب يلح دائما على عودة اللاجئين الى مدنهم ويتهم جبهة البوليزاريو بإحتجازهم ومحاصرتهم وكان يستدل على مطلبه بالعشرات من الصحراويين الذين كانوا يعودون الى المغرب. أما جبهة البوليزاريو فكانت تؤكد ان الصحراويين في المخيمات لاجئون من (الاحتلال المغربي) لبلادهم. في هذا السياق، لا يُتوقع أن تكون تدابير بناء الثقة تأكيدا ونفيا لهذه الرؤية او تلك لان اختيار الزائرين يتم بدقة متناهية حتى يكون مكسبا سياسيا لهذا الطرف او ذاك. مفوضية اللاجئين ارادت تشذيب العملية من اي طابع سياسي، واتفقت، بعد مفاوضات عسيرة مع الطرفين دامت اربع سنوات كاملة، على خلق اشكال من الاتصال والتواصل بين العائلات، من خلال اتصالات هاتفية وتبادل رسائل وزيارات تتم بواسطة طائرات تابعة للامم المتحدة وان يكون للزائر الحرية الكاملة في التحرك في المدينة التي يتفق على زيارته وحيث تتواجد عائلته وان تكون زيارته لمدن اخرى متفق عليها مسبقا ومنحت لكل زائر حرية البقاء في المدينة الني يزورها اذا ما ابلغ ذلك بوضوح وصراحة مفوضية اللاجئين. هل هي (بروفة) أولى؟؟ الاصداء الاولى لهذه الزيارات اكتفت بالطابع الانساني وتحدثت عن لقاء افراد عائلة واحدة لم تلتق منذ عقود. وفي العيون وتندوف حرص المغرب وجبهة البوليزاريو على اظهار الحفاوة التي قوبل بها الزائرون والحرية التي سنحت لهم للقاء كل من يودون لقاءهم دون مضايقات او ازعاج. لقاءهم وهكذا مرت الحلقة الاولى من المسلسل، التي بدأت الجمعة وانتهت يوم الأربعاء 10 مارس، بسلاسة ودون تعثر او ارباكات، وباستثناء تصريح احد القادمين من مخيمات تندوف حول التواجد المغربي في الصحراء الغربية، فإن تبادل زيارات العائلات مرت بسلام وتشجع المفوضية على الاستمرار بها، وان كانت تقييمات الأطراف المتنازعة ستتباين وسيحاول كل طرف البحث عن خلل حال دون ان يحقق فيها مكاسب سياسية اكثر. لكن السؤال الاهم الذي اثاره تبادل الزيارات كان حول انعكاساته على عملية السلام الصحراوي او ما الذي كسبه هذا السلام المتعثر والمعطل منذ سنتين عند مشروع منح الصحراويين حكما ذاتيا مؤقتا لمدة اربع او خمس سنوات تحت السيادة المغربية، وتختلف الاطراف حول تفصيلات هذا المشروع الذي من المقرر ان يناقش مجلس الامن الدولي نهاية ابريل القادم الرد المغربي النهائي عليه ليقر المشروع ويصبح ملزما. وعودة اللاجئين الصحراويين من تندوف والزويرات فقرة من فقرات المشروع وقد يكون مسلسل تبادل الزيارات العائلية (بروفة) او تدريبا للصحراويين على التأقلم مع جديد في الحياة، كما قد يكون المسلسل ايضا اشارة على ان الوقت مازال طويلا امام حل النزاع الصحراوي بشكل نهائي. وفي انتظار التوصل إلى هذا الحل، تسعى الاممالمتحدة للقيام بعمل يبرر وجودها في المنطقة فيما تحاول أطراف النزاع كسب الوقت لترتيب أوضاعها وكسب اوراق سياسية جديدة في نزاع تتراوح مفردات حله المعلن - حتى الان - على (الهزيمة الماحقة) او (النصر الساحق).