عندما يغتال الملل كل اللحظات الهادئة وينساب ضجرا لزجا الى اطرافك وانت تعانق الشاطئ من شرفة ذاك الفندق وترى كل تلك الفوضى التي تلتهمك. عندما يتفاذفك احساس بالبلادة وانت تسدل ذراعيك الى طرفي سريرك. عندما تتزاحم امنياتك عبثا لا تطيقه اي امنياتك تنتحر اولا؟ لا ادري كم من الوقت مضى، كم وجها رأيت كم طابقا هبطت، ولا اذكر ان كنت قد اودعت مفتاح حجرتي لتلك الموظفة في شباك الاستقبال ام لا.. لم اتلذذ هذه المرة في العبث بهدوئها عندما اغرس عيناي في عينيها وهي ترقبني مقبلا الى الاستقبال.. وجدتني اقف امام مدخل الفندق الرئيسي، ورغما عني استسلمت لالحاح سائق التاكسي بالجلوس الى جواره. بدأت اتذكر انني لم انم ليلة الامس عندما رأيت الشاطئ يكاد يخلو الا من بعض المارة، بعض عمال النظافة يحملون مقشاتهم بملل. لم انظر الى وجه السائق، ولا اعتقد انني القيت التحية بدأت اختلس النظر الى ذلك الوجه العربي الاسمر. تلك الملامح القاسية. يبدو انه امضى ليلته ينتظر احد نزلاء الفندق، ربما ليطعم افواها، او ليشتري خبزا، او .. او.. من يدري عندما تنحنح السائق ادركت ان حديثا ما سيبدأ ازيز المحرك الذي يصم اذني ورائحة الوقود التي تطبق على صدري. لم انتظر طويلا حتى سألني بلهجة محلية: لا مؤاخذة يافندم.. عاوز تروح فين..؟ تظاهرت بعدم سماعي لسؤاله ربما لانني لا ادري الى اين سأذهب.. او متى سأعود.. ساد الصمت برهة ثم عاد ليسألني ثانية. حضرتك مش سمعني؟ اريد ان اذهب البحر افندم امال اللي على يمينك دا ايه حضرتك؟ مش هو بحر والا انا غلطان؟ آه يا لهذا ا لسائق كم اكرهك لا اجد رغبة في الجدال حسنا قف هنا على اليمين اعتقد انني لم اوفق بسائق يدرك ما اعنيه بالبحر ترجلت من التاكسي بعد ان دفعت له وانطلق متذمرا واخالني سمعته يقول : يا فتاح يا عليم يارزاق ياكريم بدأت قدماي تحثان الخطى شرقا.. والبحر لم ينم مثلي.. والهواء ينساب باردا يعبث بما لم تدركه مقشات عمال النظافة بعد ليلة انهكت البحر سمرا حتى امتلأ عشقا بتلك المشاهد التي اراها كل ليلة هنا.. يسمع بوح العشاق.. ويشهد على التقاء اصابعهم التصاق اجسادهم، اختلاط انفاسهم.. اذكر انني تطفلت على عاشقين كانا يسافران عن عالمنا آنذاك ربما لم يقولا الكثير.. لكنني كنت اختلس النظر الى عينيها، الى عينيه الى البحر.. الفقر هنا كتلك الصماء التي يتكسر على صدرها موج البحر. تتكسر معه امنياتهم العذبة.. احلامهم الغضة.. لكن الاصابع تتعانق والانفاس تختلط برائحة العشق والبوح، والبكاء، ورائحة الذرة المشوية. ها أنا ابصر البحر في هذا الصباح غير البحر الذي ألفته عندما كنت اسرق وقتي لاعانقه.. واختلس النظر الى مكان كان يفيض دفنا فأعود بعيني منكسرا. ربما هذه من اللحظات القليلة التي سأهنأ فيها بهذا الهادر منفردا.. فابكي على صدره غربتي.. لاتزال خيوط الشمس تتراءى بخجل السرطانات تفيق على اول تلك الخيوط الذهبية المحارات بعضها خاو كصدري، بعضها يتضور شوقا لسرطان غادر.. والموج يهدر آه كم اعشق هذا المكان.. كم اعشق هذا البحر.. كم اعشق هذا الهواء. وبين عشقي لهذا وذاك تتولد الحسرة على تلك الملامح التي عشقت بها كل هذا فبقي ما عشقت ورحل من علمني العشق.. لم افق من جنوني هذا الا وعامل النظافة يدس مقشته تحت قدمي متذمرا.. ربما من يوم سيلهب ظهره نصبا او من لقمة استحالت الا ممزوجة برائحة النفايات، او من افواه يكدح لاجلها.. توقف قليلا نظر الى بعنين قاسيتين.. وملامح جامدة صاح في وجهي : اما ناس فاضية بصحيح.. هو انتو معندكوش شغل بدل الصرمحة دي..؟ ابتسمت بهدوء مميت واشرت برأس .. ان لا.. @@ عبدالله آل متعب قصة قصيرة تؤكد موهبة ونضج وتكشف عن استلاب الذات الساردة ومأزقها تجاه العالم والاشياء وان لم تبح بمكنون صدرها حتى يمكن معرفة مأزقها ، وننشرها هنا كنموذج للقاصين المبتدأين.