يقدم 250 فعالية متنوعة.. «معرض جازان للكتاب» يستقبل الزوار غداً    وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالين من رئيس وزراء فلسطين ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الباكستاني    سيبراني وأرامكو الرقمية تعززان أمان الشبكة الصناعية 450    «كأنو روحي راحت معهم».. زوج أنجي مراد ينعي ابنهما «علي»    الهلاليون: كوليبالي كارثي    أمير الشرقية يكرّم المشاركين في مبادرة «خدمتكم فخر»    علامة HONOR تفتتح منصة الإعلان في LEAP 2025 مع إطلاق هاتف PORSCHE DESIGN HONOR Magic7 RSR    فجر السعيد: أعتذر للعراق وأعتزل النقد السياسي    لبنان تدين وترفض التصريحات الإسرائيلية ضد المملكة    والد عبدالله الزهراني في ذمة الله    «وول ستريت» تتراجع.. وتباين بمؤشرات أسهم آسيا    السعودية تتصدر دول ال20 في مؤشر الأمان ل 2023    الرئيس الإيراني يشكك في استعداد واشنطن للتفاوض    الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية تعلن تأسيس الجمعية الأولى للتوحد بمنطقة مكة المكرمة    حسين عبد الغني يتوقع موقف الأهلي في دوري أبطال آسيا    تحت محور "سينما الهوية".. انطلاق الدورة الحادية عشرة من مهرجان أفلام السعودية أبريل المقبل    انخفاض الناتج الصناعي الهولندي لأدنى مستوى خلال 6 أشهر    مساعد وزير الداخلية : الوزارة انتقلت من الرقمية التقليدية إلى المعززة بالذكاء الاصطناعي    نائب أمير الشرقية يستقبل أعضاء جمعية العمل التطوعي    سماحة المفتي ومعالي النائب يستقبلان مدير فرع عسير    الهيئة الملكية لمحافظة العلا تحتفي باليوم العالمي للنمر العربي    إسقاط مسيرات أوكرانية.. وهجوم روسي على كييف    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    «الإحصاء»: ارتفاع مؤشر «غير النفطية» 4 %    أم تقتل ابنها المعاق بعد تشخيصها بسرطان مميت    مستشفى دله النخيل بالرياض ينقذ مريضة من ورم في الرقبة ممتد للقفص الصدري    الصحة العالمية: الصرع لا يزال محاطًا بالوصمة الاجتماعية    رياح وأمطار خفيفة على بعض المناطق    عبدالعزيز بن سعد يواسي أُسر المايز والتميمي والجميلي في وفاة فقيدتهم    تسجيل 1383 حالة ضبط في المنافذ    العيسى يلتقي رئيس وزراء غينيا بيساو ويقف على برنامج جراحات العيون    الهلال الأحمر يعيد النبض لمعتمرة إندونيسية    موجز اقتصادي    رأوا تصريحات نتنياهو تعمية على فشله.. محللون سياسيون ل(البلاد): المملكة حائط صد وقلب الأمة.. وإسرائيل كيان فاقد للشرعية    سباق تدّمير العقول    السودان.. إعلان خارطة طريق لما بعد الحرب    الثأر العجائبي في حكاياتنا الشعبية..        غيبوبة على الطريق.. تنتهي بحفل تكريم «اليامي» !    استثمارات وابتكارات في معرض"ريستاتكس العقاري"    دورات لتعزيز مهارات منسوبي الحرس الملكي    وزارة الثقافة تشارك في مؤتمر «ليب 2025»    «الدارة» تصدر كتاباً حول القطع الفخارية المكتشفة بتيماء    الأوركسترا والكورال الوطني.. روعة الإبداع في شتى الصور    %75 نسبة تفوق الحرفيات على الذكور    إرث الصحراء    ضمك.. جبل ونادٍ    ولادة أول صغار المها بمحمية عروق بني معارض    ولي العهد يستقبل رئيس اللجنة الأولمبية الدولية    في الجولة ال(21) من دوري يلو.. قمة تجمع الحزم والطائي.. ونيوم والنجمة يواجهان العين والصفا    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    حسن التعامل    بختام الجولة ال 19 من دوري روشن.. الاتحاد يسترد الصدارة.. والنصر يقترب من الهلال    «المناورات» تجهّز الأهلي والنصر ل«قمة الإنماء»    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي للمجندات الدفعة السابعة بمعهد التدريب النسوي    كيف يتكيف الدماغ بسرعة مع التغيير    ميكروبيوم معوي متنوع للنباتيين    الاتحاد السعودي لكرة القدم يقيم ورشة العمل الإعلامية الرابعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة قصيرة .. رائحة الزمن.. والضياع في المدينة
نشر في البلاد يوم 08 - 08 - 2014

بدت له مآذن المسجد النبوي أكثر طولاً عن ذي قبل.. أنوارها المتصاعدة في الفضاء تجعلها أكثر شموخا.. أشار بأصبعه إليها ليجمعها عدداً.. آه عندما تحرك من بيته كانت أربع مآذن، الآن أصبحت عشر مآذن، الشارع الذي يقطعه اللحظة تحول الى شارع يعج بالفنادق ومتاجر الذهب.. دار حول نفسه أكثر من مرة.. فحص في ذاكرته كل الصور التي انثالت على ذهنه.. هو الآن يقف في تلك "البرحة" التي شهدت ملاعب صباه.. وفي جنباتها جرت كل الأحداث الحميمة في داخله.
تحرك قليلاً الى الأمام، من خطوات قدميه كأنه يريد أن يقيس المسافة بين النقطة التي يقف عليها واخر الخط الوهمي الذي أعتقده لنهاية تلك "البرحة" قال محدثاً نفسه:
من هنا منفذ الى زقاق الطوال.. رائحة الشريك أبو السمسم تنبعث في انفه اللحظة.. استدار الى الجهة الاخرى قائلاً وهذا المنفذ يسوقني الى الساحة حيث مقهى عم صالح برائحة بنها المحمص الذي تنتشر رائحته في كل الشارع.. وها هنا مبنى المحكمة الشرعية القديمة التفت الى اليسار وهو يقول تقابلك هنا "دارجونه" وهذا منفذ آخر يأخذ إلى زقاق الحبس.. فجأة أحس كأن الأرض تهتز تحت قدميه.. شعر أن قلبه يخفق بشدة.. صدره يهبط ويعلو يكاد يشعر به يسقط في جوفه.. مسح بعض حبات العرق التي تفرصدت على أرنبة انفه.. ابتلع ريقه بصعوبة.. ياه.. كل تلك الصور ذهبت أمام ايقاع الزمن تنبه على صوت المؤذن لصلاة المغرب.. لاحظ أن الصوت الذي يرفع الآذان واحد.. تساءل كان يعهده لأكثر من واحد.. لم يتوقف كثيراً عند مزيد من التساؤل.. مسح بنظراته الوجوه التي تتقاطر الى المسجد لم يلمح من يعرف أو يتعرف عليه أحد منهم، ياه.. كل هذا قد حدث في فترة غيابي.. الناس وهم يدخلون المسجد.. لازالوا يحملون طيبتهم.. هكذا لمح على تلك الوجوه التي لم يعرف أحداً من أصحابها..
** بعد صلاة المغرب قرر أن يذهب الى الجهة الأخرى من المدينة وماذا جرى هناك.. لم يعرف بالضبط أين هو؟
حاول أن يسأل أحد المارة في اخر لحظة عدل عن ذلك.. أخذ يواصل السير محاولاً الوصول الى المعرفة بذاته فجأة وجد نفسه أمام مسجد الغمامة..
آه.. الحمدلله.. ارتاحت عضلات وجهه أخيراً عرف أين هو في هذه المساحة من الأرض.. اذن هذه هي المناخة بكل ما كان فيها من مقاهي.. ودكاكين.. كم شهد فيها من ألعاب في ليالي رمضان.. وكم شهدت هي من حجاج وزائرين يحطون فيها رحالهم لبعض الوقت.. هذا النفق الذي يشقها من الوسط حول حركة السيارات على ظهرها الى بطنها..
توقف أمام المسجد المبني بالحجارة السوداء في هندسة بسيطة رائعة تساءل كم من الزمن مضى عليه.. من جانبه التقى نظرة طويلة على المشروع الضخم للمسجد النبوي الذي احتوى كل مرابع صباه وشبابه.. الأنوار المشعة من المآذن الى عنان السماء لازالت تشعره بشموخها.. لمح في اخر الميدان الكبير رجلاً يسند ظهره على عامود النور في خطوات بطيئة ذهب اليه.. وقف أمامه في تساؤل بصوت غير مفهوم قال له الرجل:
ساعدني على الوقوف، مد إليه يده المعروقة.. بخشونتها في كفه.. أرتكز العجوز على عصاه.. وهو يقول لقد ضيعت طريق بيتي..
ضحك في كمه.. قال له لست الوحيد الذي تاه من قدمه الطريق..
لم يفهم العجوز.. فواصل كلامه.. منذ سنوات لم أخرج من بيتي.. المدينة تغيرت.. وكمان كبرت.. صليت المغرب في المسجد ولا أعرف من اين دخلت أو من أين خرجت..
هل أنت من هنا..؟ قالها العجوز.
ارتبك.. ثم قال نعم ولكنني غائب عن هنا منذ سنوات فأنا مثلك تغيرت "المدينة" أمامي..
ضحك العجوز وهو يقول:
حالك يغني عن سؤالك..
كيف عرفت هذا ياعم؟
لمحتك وأنت تدور هنا وهناك كأنك تبحث عن مخرج فعرفت أنك تائه مثلي.. أعجبه ذكاء الرجل.. أطال الصمت قبل أن يقول بالفعل لقد تغيرت الأماكن.. فهذه الحركة العمرانية الرائعة أفقدتني كل معرفتي بالأحياء والأزقة والشوارع التي عشت فيها..
سادهما صمت طويل وهما يدبان على الأرض الترابية يده لازالت في اليد المعروقة وخشونتها تشعره بتعب السنين التي عاشها.. تذكر والده كم ذهب معه الى السوق.. ليشتري له ما يعني له من حاجيات.. كان الابن المدلل الذي تلبي كل طلباته.. كان يمسك بيد والده هكذا.. تغالب على دمعة كادت تطفر من عينه..
قطع الصمت العجوز..
أوقف تاكسي ليحل لي المشكلة مرة اخرى ضحك وهو يقول في نفسه كم أنت ذكي أيها الرجل.. وهو يودعه عند مدخل التاكسي سمعه يقول الى الحرة الشرقية..
غاب التاكسي في الشارع المزدحم.. بسرعة أوقف تاكسياً آخر.. غاص في وسطه بعد أن اعطى السائق عنوانه..
تساءل لماذا لم أعرف من هو هذا العجوز.. إنه أحد البقايا..؟
***
** عند باب المنزل وجد أمه تقف خلف الباب في قلق.. لقد تأخرت ياولدي..
هذه قصة طويلة يا أمي..
ما هي..؟
تعال الى الداخل.. احتواها بيده وهو يضمها اليه في حنان..
تعرفي يا أمي لقد ضعت في حارتي.
ضربت يدها على صدرها.. وهي تقول:
في واحد يضيع في بلده ياولدي ثم واصلت:
وي هو كده اللي يغيب غيبتك لابد تتغير عليه كل حاجة.. ثم تساءلت.. كيف رجعت..
*أبداً صاحب تاكسي أوصلني..
تعرفي يا أمي لقد تغير كل شيء.. تلك الأماكن التي كنا نلعب فيها بجانب المسجد لا توجد.. تلك الأزقة الى شهدت عبثنا ولهونا اصبحت أثراً..
قالت بصوت يحمل رنة الماضي:
"ايوا ياولدي البلد كبرت وأصبح أولادها يضيعون فيها".
وضع رأسه بين يديها وهو يستلقي بجانبها ليغرس نظراته في سقف الغرفة.. تسللت أصابعها الى منابت الشعر في رأسه تتحسسه عادت به ذكرياته الى أكثر من أربعين عاماً مضت عندما كان لا ينام إلا بعد أن يضع رأسه على حجرها.. وتعبث في شعره أحست أنه صمت.. نظرت إليه وجدته ذهب في نوم عميق.. تبسمت وهي تضع عليه غطاءً ثقيلاً.
لقد نمت ياولدي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.