احتفلت الشعوب المغاربية قبل أيام بالذكرى ال 15 لتأسيس اتحاد المغرب العربي الذي وضعت أسسه بمدينة مراكش شهر فبراير من العام 1989م. وقد وضعت الجماهير المغاربية آمالا عريضة في الاتحاد الذي رأت في تأسيسه تجسيدا للوحدة الاجتماعية والتاريخية والجغرافية التي تجمع بينها، هذا بالإضافة إلى الكفاح المشترك الذي خاضته شعوب المنطقة ضد الاحتلال خلال القرنين الماضيين. ما زاد من زخم هذه الآمال الاتفاقيات والمعاهدات والإنجازات التي حققت في السنوات الثلاث الأولى التي تلت تأسيس الاتحاد والتي تمثلت في فتح الحدود بين شعوب المنطقة، وتسيير خط لسكك الحديدية يمتد من مدينة مراكش المغربية إلى تونس العاصمة مرورا بالأراضي الجزائرية، وتأسيس عدة لجان ومؤسسات مشتركة أبرزها مجلس شورى المغرب العربي والتفكير في وضع وثائق سفر مشتركة و الاتجاه نحو إيجاد عملة مغاربية موحدة. توقيع هذه الاتفاقيات وانعقاد اللجان المشتركة كان ومنذ البداية مرتبطا بانعقاد دوري لمجلس رئاسة الاتحاد حتى وصل في اقل من 4 سنوات إلى ما يزيد على 6 قمم مغاربية. وفي الوقت الذي بات فيه المراقبون ومعهم شعوب المنطقة مطمئنين على سير القاطرة المغاربية في اتجاهها الصحيح، إذ بمجموعة من المشاكل والمنغصات بدأت في الظهور الواحدة بعد الأخرى متخذة عدة أوجه منها الداخلية المحضة، ومنها البينية، ومنها الخارجية. وعلى رأس هذه المشاكل، أزمة الصحراء الغربية، الوضع الأمني المتفجر في الجزائر ومكافحة الإرهاب، العلاقات المغربية الجزائرية، ملف لوكيربي بين طرابلس والغرب. أ النزاع في الصحراء كان على الدوام ملف الصحراء الغربية حجر العثرة الرئيس أمام تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية، وبالتالي أمام قيام اتحاد حقيقي بين الدول العربية الخمس في شمال أفريقيا، إلا أنه وعلى هامش انعقاد القمة العربية العادية في الجزائر العام 1989 اتفق قادة المغرب العربي في قمة (زيرالدا) على تفادي التدخل في الشؤون الداخلية لكل بلد من بلدان الاتحاد، وهو ما طالب به المغرب خلال انعقاد قمة مراكش حيث ضغط ليضع هذا المطلب كبند رئيسي في الوثيقة المؤسسة للمنظومة المغاربية، ما جعل الملف الصحراوي يقبر مؤقتا خاصة بعد قبول المغرب بتنظيم استتفتاء لتقرير المصير، وبعد أن سحبت طرابلس يديها من الملف برمته، وبعد تناقص الدعم الدولي لجبهة البوليساريو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية. إلا أنه وبعد بداية الأزمة الداخلية في الجزائر عقب إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لديسمبر 1991، وبعد استقالة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، عاد جنرالات المؤسسة العسكرية في الحديث من جديد عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ما اعتبره المغاربة خرقا واضحا للبنود المؤسسة للاتحاد المغاربي قبل أن يطالبوا وعلى لسان العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني بتجميد الاتحاد وإيقاف الانعقاد الدوري لمجلس الرئاسة حتى الإغلاق النهائي لملف النزاع في الصحراء، أو إيقاف الجزائر لتدخلاتها المستمرة في شؤون المغرب الداخلية. ب تفجر الوضع الأمني في الجزائر إثر إلغاء المؤسسة العسكرية في الجزائر لنتائج الانتخابات التشريعية التي كانت ستقود الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الحكم وبالتالي وضع نهاية لثلاثة عقود من نظام حكم الحزب الوحيد الممثل في حزب جبهة التحرير الوطني (الأفالان)، دخلت الجزائر في دوامة محمومة من العنف أدت إلى مقتل ما زيديد على 60 ألف مواطن على امتداد عقد كامل، وقد نتج عن هذا الوضع دخول الجزائر كبرى بلدان الاتحاد في مرحلة عدم الاستقرار السياسي تداول خلالها على الحكم ما زيزيد على أربعة رؤساء للجمهورية ، بالإضافة إلى إلغاء منصب الرئيس في بعض الأحيان واستبداله بمجلس للأمن مكون من 5 أعضاء أوكلت له مهام رئاسة الجمهورية. ومع اتساع رقعة أعمال العنف، كان من الطبيعي أن يمتد لهيب الحرب الأهلية غير المعلنة في بلد المليون شهيد لتمس بلدان المغرب الأخرى، وهو ما تمثل في العملية التخريبية التي كان مسرحا لها فندق (أطلس أسني) بمدينة مراكش صيف العام 1994، والذي كان من تنفيذ مواطنين فرنسيين من أصل جزائري، ما دفع بالرباط إلى فرض التأشيرة على الجزائريين الراغبين في الدخول إلى المملكة مخافة أن يتكرر نفس السيناريو، ما ردت عليه الجزائر بالإعلان عن الإغلاق الحدود بين البلدين، وهو ما شكل نكسة حقيقية لاتحاد المغرب العربي لتعود به عقارب الزمن إلى الوراء. ج أزمة لوكيربي مع انتهاء حرب الخليج الأولى التي كللت بالإبقاء على الحصار الاقتصادي على العراق، توجهت أنظار الغرب بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى نظام عربي مشاكس آنذاك لاحتوائه، فكانت الوسيلة فتح ملف إسقاط طائرة (البنام أمريكان) الأمريكية فوق بلدة لوكيربي الاسكوتلاندية العام 1989، حيث اتهموا الاستخبارات الليبية بالوقوف وراءها، ليطالبوا نظام العقيد معمر القدافي بتسليم مواطنين ليبيين (وهما فحيمة والمقراحي) قصد محاكمتهما، وهو ما رفضته طرابلس جملة وتفصيلا، باعتبار ذلك يسيء لمصالحها الوطنية وهو ما يمنعها من تسليم مواطنيها، ليتحول ملف القضية على أنظار مجلس الأمن، ولتنهال القرارات على الجماهيرية كانت تصب كلها في فرض عقوبات اقتصادية وتجارية عليها، لتجد ليبيا نفسها وحيدة في هذه المواجهة، بل أكثر من ذلك عملت الدول الأربعة الأخرى العضو في الاتحاد إلى احترام تلك القرارات وتطبيقها فمنعت الطيران الليبي من التحليق في أجوائها، وهو ما يتعارض مع ميثاق تأسيس اتحاد المغرب العربي الذي تنص أحد بنوده على الدفاع المشترك إذا تعرض أي قطر من أقطاره لاعتداءات أو تهديدات، لتشتاط طرابلس غضبا من الرضوخ المغاربي هذا خاصة أن معظم بلدان إفريقيا السوداء لم ترض بهذا الرضوخ ولم تقبل بهذه العقوبات التي اعتبرتها ظالمة. وللرد على هذا الجميل الأفريقي سارع نظام القذافي إلى جملة من التدابير مع قادة منظمة الوحدة الأفريقية ليعلن في 9/9/1999 عن قيام اتحاد أفريقي على غرار الاتحاد الأوروبي، بالمقابل أدارت طرابلس ظهرها لكل ما هو عربي وكان بطبيعة الحال شركاؤها في الاتحاد المغاربي.