حلت أمس الأول الثلاثاء الذكرى العشرين لتأسيس اتحاد المغرب العربي الذي يعرف موتاً سريرياً منذ عدة سنوات بسبب الخلافات السياسية لأعضائه.. وكان اتحاد المغرب العربي، الذي حمل حلم توحيد الشعوب العربية، تأسس في 17 فبراير سنة 1989 بمدينة مراكش في قمة تاريخية جمعت العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والليبي معمر القذافي والتونسي زين العابدين بن علي والموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. وأعلن كهدف رئيسي للاتحاد توحيد بلدان المغرب العربي على كافة المستويات، وتشجيع حرية تنقل الأشخاص والبضائع، ورفع جميع الحواجز الجمركية والإدارية في سبيل تحقيق هذا المسار. لكن سرعان ما سيدخل الاتحاد سنوات قليلة بعد ذلك إلى غرفة الإنعاش التي لم يغادرها إلى اليوم مثخناً بجراحات سياسية لم يتم تجاوزها. وفي الوقت الذي تسير فيه الدول، الغربية منها على الخصوص، نحو التكتل وتحقيق الاندماج بما يكفل تمتين أواصر التعاون على أكثر من صعيد وخاصة في المجال الاقتصادي في ظل التحديات الكبرى التي يعرفها العالم، يتهدد اتحاد المغربي العربي خطر الموت النهائي بعد مكوثه لسنوات في غرفة الإنعاش جسدا بدون روح. وقد كانت شعوب اتحاد المغرب العربي تنتظر تفعيل القرارات التي تمخضت عن القمة التاريخية، لكن طيلة 20 سنة كاملة وبعد اعتماد 37 اتفاقية لم يصادق مجلس الرئاسة إلا على 6 منها فقط. في حين ظلت مجموعة من الاتفاقيات الموقعة المتعلقة بإقامة سوق زراعية موحدة والتنقل ببطاقة الهوية بين البلدان الأعضاء وازالة الحواجز الجمركية مجرد حبر على ورق لم تعرف طريقها إلى التفعيل الحقيقي.وفي سنة 1994 ستوجه إلى الاتحاد ضربة قوية بعد إعلان إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر على إثر حادثة ما سمي ب«فندق أطلس إىسني» الشهيرة التي اعتقل خلالها جزائريون بالفندق الواقع بمدينة مراكش اتهموا بإطلاق النار داخله، لتكون مدينة مراكش التي شهدت ميلاد اتحاد المغرب العربي هي نفسها المدينة التي سوف تشهد التوقيع على شهادة وفاته. ولا يخفى كذلك أن مشكل الصحراء عمق بدوره الخلافات السياسية بين الرباطوالجزائر ما يمنع من إعادة بعث هذا الكيان وعدم انزال «عقاب جماعي» بشعوب المنطقة بسبب الخلافات بين البلدين الجارين. ورغم الجهود التي بذلت من طرف الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية لتقريب وجهات النظر المختلفة المغربية والجزائرية، إلا أن الخلافات السياسية واستمرار إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر بقيت هي اللغة الأعلى صوتاً في منطقة يخسر شعوبها الكثير بسبب ذلك. فبحسب دراسة نشرها معهد استراتيجي إسباني فإن تعطيل مؤسسات اتحاد المغرب العربي يكلف أعضاءه حوالي 3.6 مليارات دولار، كما أنه يتسبب في تعثر التنمية البشرية لدوله. فيما قدر العديد من الخبراء الاقتصاديين أن دول المغرب العربي بعجزها عن تحقيق التكامل الاقتصادي، فوتت على نفسها خلال العشرين سنة الماضية بعد التوقيع على اتفاقية مراكش فرص توفير أكثر من تسعة ملايين منصب شغل إضافي وحوالي 720 مليار دولار في مداخيلها. وأشار بدوره صندوق النقد الدولي في أحد تقاريره ان وقف العمل بمعاهدة اتحاد المغرب العربي يكلف دول المنطقة خسارة قدرت في حدود 16 مليار دولار سنويا، مضيفا أن هذه الخسارة تنعكس على اقتصاديات المغرب والجزائر على الخصوص، مشددا على أن غياب التنسيق والاندماج الاقتصاديين واستمرار الحواجز الجمركية بين دول المغرب العربي يشكلان إهدارا لفرص قوية للاستثمار الدولي. وأشار التقرير كذلك أن متوسط معدل النمو ظل يتراوح ما بين 4 و5 في المائة في السنوات الأخيرة، وأن هذه النسبة لا تكفي لمعالجة أزمة البطالة التي تتجاوز في بعض دول المغرب العربي 20 في المائة من السكان النشيطين. ومع أن الرباط دعت في أكثر من مناسبة إلى فتح الحدود بين المغرب والجزائر بما يمهد إلى إحياء مؤسسات الاتحاد المغاربي، إلا أن الجارة الجزائر ظلت تربط ذلك بحل مشكل الصحراء أولا. ويتوقع العديد من المحللين السياسيين أن الفرصة باتت مواتية لضرب عصفورين بحجر واحد خلال الزيارة التي سيقوم بها هذه الأيام المبعوث الأممي في ملف الصحراء كريستوفر إلى المنطقة. وفي حال نجحت المساعي الدبلوماسية لكريستوفر في الدفع بأطراف النزاع الى الجلوس في جولة خامسة للمفاوضات وإنهاء النزاع حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو والجزائر، فإن طي مشكل الصحراء الذي سبق تأسيس اتحاد المغرب العربي بسنوات، حيث كان اندلع سنة 1975 بينما تأسس اتحاد المغرب العربي سنة 1989، سيقرب بين الرباطوالجزائر من جديد ما سيمهد لبناء اتحاد المغرب العربي بمكوناته الخمسة، المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.