( أنا على استعداد لدفع مبلغ خمسمائة ألف ريال لمحمد عبده لو أراد أن يغني لي . لأنني حريص على تتويج مشواري الشعري بصوته . وحتى أكون أكثر صراحة و لأول مرة أقولها فإنني على استعداد أن أدفع أكثر من ذلك المبلغ . ولكن ليس بكثير لو أراد محمد عبده لأن ميزانيتي ليست كميزانية غير ..!! ) . الاعتراف المقوس أعلاه نقلته حرفيا ً من مجلة سعودية تعنى بالشعر الشعبي . وهو تصريح لشاعر ظهر قبل فترة في مجلة أخرى وهو يلبس ملابس عامل ( شاورمة ) لينفي عن نفسه صفة البرجوازية كما قال . تأملوا هذا التمرحل العجيب بين عامل مطعم يكدح طيلة يومه ليجابه العوز والفاقة وبين مترف ٍ عاجز يبحث عن الشهرة المفقودة من خلال صراخ إنسان لمدة عشر دقائق مقابل نصف مليون ريال . هل فقد هؤلاء الذين دخلوا إلى الشعر من شقوق حصنه المتصدع عقولهم ..؟ ما الذي يحدث في الساحة الشعبية ..!! ما هذه الممارسات التي هي اقرب إلى الجنون .. شاعر يخلع ( مشلحه ) ويرتدي ملابس عامل مطعم . ثم يأتي بعد فترة ويحاول شراء الشهرة بمبلغ نصف مليون ..!! لماذا هذه التناقضات الرهيبة بين ادعاء الإبداع وتسويق النص بهذا الإسراف غير المتخيل.!! هل هي عقدة الضآلة والصغر..؟ هل هو الضما المهلك للشهرة..؟ هل هو العجز التام عن الحضور المقنع من خلال النص..؟ نصف مليون ريال . تعني خمسمائة ألف ريال تبني منزلاً لأسرة .. تبني مسجدا ً .. تكفل عشرين يتيما ً لمدة عشر سنوات .. تعادل راتب موظف جامعي أفنى ثلث عمره في الدراسة لمدة عشر سنوات . قد يقول قائل أن هذا ماله ومن حقه أن يبعثره بالطريقة التي يراها مناسبة . لنذهب مع هذا القول ولكن من حقنا أن نستقرئ مدلولات ذلك لنصل إلى الحقيقة المغيبة خلف الضجيج الإعلامي حول الكثير من الأسماء التي تتصدر إعلام الساحة الشعبية . فتسويق الذات بهذه الصورة لا يعني إلا اعترافا ً لا يقبل الجدل من هذا المسوق برداءة ما يسوقه وأن نصه خاليا ً من خاصية الإبداع الجاذبة أو هو اعتراف بأن ما يغني من قبل من أراد شراء صوته لا تمثل حالات إبداعية كما يتباهى أصحابها بل هي نتيجة بيع وشراء في ( بورصة الدجل ) لا أكثر ولا اقل . الآن وبعد هذا الاعتراف الموثق من (عامل الشاورمة) أعتقد أنه قد آن للمتلقي أن يمد رجله كلما شاهد هؤلاء المساكين اللاجئين إلى الشعر لعله يحمل لهم الخلاص من عذاب الهوامش الباردة أو قرأ عنهم في إعلام ٍ يمارس الخداع والتزييف والتزوير والتضليل وقلب الحقائق واستغفال القارئ . عندما توضع الأمور في نصابها ويكون العقل هو المتحكم في التصرفات فإن الأشياء التي لها قيمتها في هذه الحياة تهمل من قبل صاحبها إلا في ساحة العبث فإنها تأخذ قيمة في ساحة لا قيمة لها .. لا قيمة لألقابها .. لنجوميتها المزيفة .. لشخوصها المصنوعة .. لنصوصها المزورة .. لإعلامها الباهت الذي يجبرنا كل يوم على الشفقة على هؤلاء الفقراء و المساكين وفق المنظور الإنساني المتحرر من سطوة المادة . والشفقة المصحوبة بالآسي والحزن على الشعر الشعبي الذي أصبح يقيم ويحكم عليه من خلال هذيان وسلوك هؤلاء الجياع الذين حوله مسخ لا قيمة له . @@ معرج شعر: أيها المحرق طهر ظنوني كلما أوقدت نارا ً وتوارى تحت زحف الضوء ليل وتقهقر و تهادت في مساءات السكون أغنيات الوجد تبكي لا تقاسمها نحيب الوجد بل تذكر كيف أحرقت حقول القمح و شتلات الرجاء .. الحلم في موسم جوعك وزرعت الروح حنظل