قال واحد من أعظم كتاب هذا العصر ومفكريهم: مامعناه: ان من يعرف قيمة وقت فراغه يستحق ان يحيا.. فوقت الفراغ ثروة ثمينة لاتساويها ثروة وان افرغ الناس هو الذي لايستطيع ان يملأ وقت فراغه.. وعندنا في الشرق كثيرون من هؤلاء الفارغين الذين يقضون ساعات فراغهم في اللعب واللهو.. وهذا ليس وقتا فارغا لانهم مشغولون فيه وليس وقتا مملوءا لانهم يملأونه بما هو أفرغ من الفراغ. هذا ليس بوقت على الاطلاق.. هذا عدم خارج من الزمان.. خارج من الحياة.. عزيزي القارئ.. ميزة (الفراغ) الذي نتداول لفظه في أفواهنا، انه بمجرد ان اخذ اسما فلا بد ان له مسمى.. وهذا المسمى لابد انه اخذ له مكانا في اشياء او بين اشياء هذه الدنيا. اذن هو فراغ في الاسم فقط ولكنه في المعنى ليس كذلك.. يقول الدكتور القرضاوي: (الفراغ لايبقى فراغا ابدا, فلابد له ان يملأ بخير.. او شر.. ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل..) فالفراغ الزمني وعاء جاذب, مستحيل ان يبقى فراغا ابدا, لأنه محصور بين تياري الخير والشر.. فان لم تملأه بالاول ارادة وجهدا امتلأ هو بالثاني تلقائيا.. فهذه سنة الحياة، وكان سلفنا الصالح لا يحبون الرجل الفارغ الذي يعيش حياته بطريقة تافهة لاهو في عمل آخرته، ولا هو في عمار دنياه. نمثل هذا فراغه نقمة عليه وحسرة وبارداته واختياره.. وما اصعب هذا الداء اذا استشرى وانتقل من الفرد الى المجتمع ومن ثم الى ابناء الوطن ومن ثم الى الامة..!! ان الامة التي لا تستفيد من وقت فراغ ابنائها ستجد نفسها في أواصر ركب الانسانية، تابعة مهضومة مسحوقة لاقيمة لها, وان كان لها قيمة فقيمتها تعادل ما تأكله وتشربه وتلبسه ليس غير. والأمة التي ترعى وقت فراغ ابنائها، وتربيهم على الاستفادة منه وشغله بالعمل والانتاج فتلك امة جديرة بان تقود العالم ويتسنم ابناؤها قمة المجد والسؤدد وهكذا كان سلفنا الصالح.. لذلك دانت لهم الامم وكانوا قدوة في الأدب والسياسة والاقتصاد والعلم بشتى فنونه.. يقول العقاد: قرأت مرة في تاريخ امريكا الشمالية ان الانجليز والفرنسيين تسابقوا على استعمار (كندا) فنجح الانجليز حيث اخفق الفرنسيون.. لماذا؟ زعموا في تعليل ذلك - واصابوا - ان استعمار القفار من الأرض البور يحتاج الى قضاء الاوقات الطوال في عزلة عن المدن الحافلة، وان الانجليز نجحوا في استعمار تلك الارض لانهم يستطيعون ان يقضوا اوقات الفراغ منفردين منعزلين، وان الفرنسي لايطيق العزلة ولا يحتمل ان يفرغ لنفسه ولايزال في شوق الى المدينة لقضاء السهرات والاصائل بين الناس في الاندية والمجتمعات، فترك ميدان الخلاء لمن هم قادرون عليه.. ويصدق علينا في الشرق ما يصدق على الفرنسيين فان الانسان منا لايستطيع ان يجد في نفسه مايشغله ساعة فراغ، ولا يحس بفراغ من الوقت حتى يلوذ بالطرقات والقهوات. ولا يهتدي بعد البحث الطويل في اعماق ضميره وأطواء دماغه الى شيء يملأ به ذلك الفراغ. ان كان قصارى ما اصاب الفرنسيين من هذه الخصلة انهم اخفقوا في استعمار (كندا).. فالامر معنا اخطر واعظم، فلعلنا لم نذهب فريسة الاستعمار الا لأننا فارغون واننا لانجد في نفوسنا ماننطوي عليه.