أقبل الصيف بطول نهاره الحار وليله القصير، وانتهت الامتحانات.. وبدأت الإجازة الصيفية.. التي يخطّط لها البعض من قبل إطلالتها.. ويقضي أيامها البعض الآخر كيفما اتفق دون تخطيط.. وتتعالى معها صيحات البعض محذّرة من أضرار الفراغ على النشء، وما قد يسببه لهم من جنوح وانحراف. ووقتُ الفراغ لا تتوقّف حدود مخاطره بحجم اتساعه الزمني إلا إذا رافقه فراغ النفس، والقلب، والقيم والمبادئ، وفراغ في الأهداف الجادة. فحين تتحد هذه الأنواع من الفراغ يشعر الإنسان بأنه لا فائدة له.. لأنّ الفراغ داء يفتك بالفكر ويملأ العقل بالوهن والخمول ويحرّك الطاقات الجسمية في اتجاهات متخبّطة. لذا كان من الأهمّية بمكان أن يهتم المربّّون والمرشدون والآباء بوضع خطط تساعد من لا يستطيع أن يخطّط وحده. لجعل الفراغ موسمًا للاستثمار، وتجارة رابحة.. يقول الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لعامله: "إن هذه الأيدي لابد أن تُشغل بطاعة الله قبل أن تشغلك بمعصيته". وما نطلق عليه مسمى فراغ.. في العادة لا يبقى فراغًا أبدًا، إذ نجد أن المرء يحاول أن يشغله ويملأه بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح. يقول تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَ0نصَبْ * وَإِلَى رَبّكَ فَ0رْغَبْ) (الشرح).. ويقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إني أكره أن أرى الرجل فارغًا لا في عمل دنيا ولا آخرة".. ويقول علي -رضي الله عنه-: "من أمضى يومًا في غير حق قضاه أو فرض أدّاه أو مجد بناه أو حمد حصله أو خير سمعه أو علم اقتبسه فقد عق يومه". وقد تكون من الوسائل المفيدة لاستثمار الفراغ توجيه الاهتمام نحو القراءة الهادفة، صلة الرحم، الاشتراك في الأنشطة الاجتماعية المفيدة، تعلم حرفةٍ مهنية، الإحسان إلى الضعفاء والمساكين والملهوفين والأيتام، حضور الدروس العلمية والدورات التدريبية التي توسّع المدارك.. وتضيف إلى المهارات.. وإذا نهض أهل التربية والاجتماع والإصلاح والاختصاص واهتمّوا بوضع برامج جيّدة تجتذب الشباب إليها وتلبي رغباتهم وطموحهم لاستطاعوا أن يخفّفوا من الآثار السلبية للصيف وفراغه، وإهدار طاقات أمل الأمة وقوّتها الفاعلة. [email protected]