بداية كل عام وانتم بخير وتقبل الله منا ومنكم وعساكم من عواده. إني أود ان آخذك معي لتتأمل مشهدا رائعا قبل مئات بل آلاف السنين، انظر هناك خلف استار الزمان، اترى ذلك الشيخ الوقور وهو يمشي مدبرا عن زوجته ورضيعها؟ اتسمع سؤالها؟ انها تناديه: يا ابراهيم.. أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه انس ولا شيء؟! انها تكرر سؤالها دون فائدة.. وهو لايلتفت اليها اطلاقا فليس لديه جواب و اضح على سؤالها. وكأنها تنبهت بعد ذلك الى أمر قد خفي عليها ابتداء فتقول: آلله أمرك بهذا؟ فيجيبها ان نعم. وهنا يظهر الاستسلام لله ويتبدى الانقياد لأوامره جليا فتجيب: اذن لايضيعنا. وهذا ماكان فعلا فلم يضيعهم رب العالمين بل جعل افئدة من الناس تهوي اليهم ورزقهم من الثمرات واجتمعت حولهم القبائل وصارت مهبط الوحي وأم القرى. مشهد آخر من حياة الخليل مع ابنه الذي جاءه على كبر، ولا يخفى عليك كيف يتعلق القلب وينشغل الفؤاد في مثل تلك الحال فيصير الولد من كل شيء أغلى والى النفس أحب وأقرب. حين رأى الخليل في المنام انه يذبح ابنه ورؤيا الانبياء حق ووحي، لم يتردد ابراهيم ذلك الشيخ الهرم الذي جالد الايام وعرك الدهر واحنته السنون ولم تثنه عاطفة الابوة عن تنفيذ أمر الله بل لم يناقش أو يجادل ربه في أمر لاتطيقه النفس البشرية. ولا أدري حقا أأعجب من ثبات الاب واستسلامه لامر الله وكيف تجرد من كل عاطفة واحساس قلبي حين تعارض مع أمر السماء أم أقف احتراما لذلك الغلام الذي للتو بلغ السعي وحين سأله ابوه: لقد رأيت في المنام اني اذبحك، فماذا ترى؟ لم يتلكأ أو يتباطأ بل كان مستسلما لامر الله (افعل ما تؤمر) ومعينا لوالده ومثبتا له حتى يسهل عليه المهمة ويهونها عليه (ستجدني ان شاء الله من الصابرين) فلما كان منهما الاذعان والتسليم، كان من الله الفرج والفداء فكانت سنة الاضحية تذكيرا بهذا المعنى. ان بيوتنا ازواجا وزوجات وابناء وبنات حين تتربى على مثل هذه المعاني السامية وتتدارس فيما بينها تلك القصص الرائعة، تكون ثمارها يانعة باذن الله. فليكن شعارنا في بيوتنا (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا ان يكون لهم الخيرة من أمرهم) فمتى ماجاءنا أمر الله ورسوله قبلناه مذعنين مستسلمين بلا تردد أو بحث عن مخرج من فهم للنص بعيد أو قول شاذ لاحد العلماء قد جانب فيه الحق المبين. فلا نفلسف الامور والاحكام ونؤولها بما تهواه نفوسنا وتميل اليه اهواؤنا، بل نقبلها راضية بها قلوبنا طيبة بها نفوسنا، وصف حالنا كما قال ربنا: (ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). ولنا في الخليل ابراهيم وزوجه هاجر وابنه اسماعيل لعبرة ايما عبرة حين نشأت وبنيت تلك الاسرة على الاستسلام والانقياد والاذعان لامر الله.