اختار الله سبحانه وتعالى النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ليكون نبيه وخليله ويُخرج من صلبه رسلاً أولي عزم صادقين، قاموا بالدعوة إلى الإيمان بوحدانية الخالق، حتى جاء النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً خاتماً للأنبياء والرسل، ونبياً مبعوثاً رحمة للناس أجمعين، ولينتشر الإسلام بدعوته، ويعم نوره بقاع الأرض وفجاجها. وإذا كان الله عز وجل يختبر رسله ويمتحنهم بما كتب عليهم من المحن والصعاب، ليثبتوا في دعوتهم ويخلصوا في حبهم لله. فإن امتحان الله نبيه وخليله إبراهيم كان صعباً ومؤلماً، فقد ابتلاه ربه بكلمات أتمها عليه، وكان هو ذاته أمة، وفي ذلك يقول ربنا «إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً»، جاءه من علم ربه ما لم يُؤتِ أحداً قبله، لذلك فإن مَن اتَّبعه من قومه ومن جاء من بعده من الأمم، أصبحوا على ملته، وهُدوا إلى صراط مستقيم. آتى الله إبراهيم رشده وهو غلام، فرغب عن آلهة قومه، ومثَّل بأصنامهم، وعرف أنهم على ضلال، فأخذ يبحث في ملكوت السماوات، ورأى النجوم والشمس والقمر، وأدرك أن وراء ذلك الخلق الكوني العظيم خالقاً عظيماً، رب الملكوت الأحق بالعبادة، الذي لا معبود سواه. وجاءه امتحان ربه الأول، إذ ائتمر به قومه، وأجمعوا على إنزال عقوبتهم به بعد أن أنكر عليهم عبادة الأصنام، وسخر منهم ومما يعبدون، فألقوه في نار حامية عظيمة، ليعود عن كفره بآلهتهم ويترك دعوته لعبادة الإله الواحد. لكن النبي الخليل أسلم أمره للذي فطر السماوات والأرض، وصبرعلى ما ابتلاه به ربه، لأن كل بلاء وعذاب فيه تقرب إلى الله وطاعة له، ويصبح البلاء على العبد هيناً سهلاً، ومن يتقِ الله حق تقواه يجعل له ربه من بلواه مخرجاً. وهذا ما أراده الله لخليله الصادق إبراهيم بأن جعل له النار التي أوقدت له برداً وسلاماً، وكان وعد الله للمؤمنين الصادقين الذين اتبعوا ملة خليله، أن الله سوف ينجِّيهم من نار جهنم وعذاب الآخرة، وكذلك يجزي المتقين. حُرِم النبي إبراهيم عليه السلام من الولد، حتى شاخ وكبر، فدعا ربه خاشعاً: «رب هب لي من الصالحين»، في لحظةٍ انتابه فيها الشعور الفطري بالأبوة، وكان أمله أن يرزقه الله ولداً يرثه وينشر الدعوة من بعده، ولما استيأس من أمله، وأصبحت أمنيته في أن يرزق الولد الصالح مستحيلة، جاءته البشرى وقد استجاب الله لدعائه فرزقه بغلام حليم نجيب، جعله الله قرة عين له وتعلق فؤاده بحبه، كيف لا وقد رزق به بعد حرمان، وقد بلغ من الكبر عتياً، بل فُطر عليه قلبه، إذ كان إسماعيل نعمة للنبي إبراهيم من ربه، لكن الله أراد أن يمتحن إبراهيم الخليل الامتحان الأعظم، حين أمره الله بذبح ابنه إسماعيل، قرة عينه الذي كان أمله وأعانه في بناء البيت الحرام. فقال لابنه «يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى»، ولما كانت رؤية الأنبياء أمراً مقضياً، لم ينقل لابنه أمر ذبحه تخييراً ولكنه أمرٌ بالإذعان لتنفيذ ما أراده الله. رأى الإمام ابن القيم أن الحكمة في هذا الامتحان العظيم، أن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، والخلة مكانة تقتضي توحيد المحبوب بالمحبة، ولما أخذ الولد شعبة من قلب الوالد، أحب الله أن يكون حب خليله كله له، وانصاع الابن المؤمن مُسلماً أمره لله: «يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين». فكان الخليل وابنه صادقين في طاعة الله وإيمانهما، ففدى الله إسماعيل بذبح عظيم. وبقصة الفداء هذه يحتفل المسلمون كل عام بعيد الأضحى ويوم النحر العظيم.