ما يشجع أمريكا على الاستخفاف بالعرب هو الاستحالة الواضحة للتحالف والتناغم والتكاتف بين الدول العربية. كل دولة في العالم العربي منهمكة في تأكيد ذاتها وإن كان على حساب المصالح المشتركة. هذا المرض أصاب أمريكا الجنوبية فتشرذمت إلى دول ضعيفة لا تقوى إلا على بعضها. بل تجد هذا الاتجاه حتى في دول الخليج التي يفترض أنها تتشابه ثقافيا مما يمهد الفرصة للوحدة أو الاتحاد. ولكن هذا الاهتمام المفرط بتأكيد الذات لكل دولة من هذه الدول جعل التباين في التوجهات السمة السائدة. وهذا الكلف بالسيادة تجده على مختلف المستويات في كل دولة. ومن المؤسف أن هذا الاتجاه مكلف اقتصاديا مثلما هو محبط سياسيا واجتماعيا. فكل دولة، مهما صغرت، تستنكف عن الاستفادة مما لدى الأخرى، مهما كبرت، من المصادر والتجهيزات الجاهزة حتى وإن كانت تلك الاستفادة أكثر جدوى وفعالية من الاعتماد على المصادر الذاتية. ويعزز هذا التشرذم حرص القيادات المختلفة على الاستفراد كل بما لديه، فينظر كل واحد منها إلى التجمع على أنه يمثل خطرا على هذا الاستفراد. ثم إن التباينات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين المجتمعات العربية أوجدت تباعدا وتنافرا بينها عمقته النخب المختلفة لتعزيز مقامها ونفوذها السياسي والثقافي والاقتصادي داخل دولها. أضف إلى ذلك الالتزام الصارم من قبل الأنظمة المختلفة بمواقفها العقائدية التي لا تقبل النقاش . وقد كان بالإمكان تحاشي هذا التدهور لولا أن الدول القائدة في العالم العربي أعيقت من القيام بدورها التوحيدي بسبب الهجمات الريفية داخلها على مجتمعاتها المدنية مما أضعفها وأعجزها عن القيام بمهامها التنويرية، فانطفأ الحوار البناء الذي ينطلق من التأكيد على المتفقات ليحل محله التلاسن الهدام والتحقير المتبادل الذي يضخم الاختلافات. تحقيق التجمع أو التحالف أو الوحدة لا يحصل بالتمني ولا بالتشهي بل بالعمل الدؤوب الذي يفضي إلى تحقيق المصلحة للجميع، ولا يتم إلا بالاستعداد الوجداني والثقافي لقبول التنازلات من قبل القيادات والنخب أولا لتتأسى العامة بهم. ومتى ما تم إدراك المصالح الاقتصادية للتجمع على نطاق واسع فإن الرغبة فيه ستحقق، كما هو مشاهد في أوروبا اليوم. هذا طريق طويل ولكنه مؤكد النتائج، أما محاولة القفز على المراحل فإنه لا ينتج إلا الوبال والتقهقر والحسرة كما حصل بالفعل. لعل عصا التحدي الأمريكي تدفعنا إلى هذا الطريق لكي نحمي أمتنا من الهوان.