لا تعتقد أن العلاقة بين أمريكا وإيران تصنف في قائمة العداوة المطلقة، أو أن العلاقة بين إيران وإسرائيل هي أيضاً في ذات القائمة.. صحيح أنه ليست هناك علاقة احتضان كما بين بريطانيا وأمريكا أو بين فرنسا وايطاليا أو كما بين إسرائيل وأمريكا، لكن هناك حقيقة دولية وهي أنه لا توجد في العلاقات العالمية عداوة مطلقة بدون أسباب جوهرية، أو صداقة مطلقة بدون حوافز مصالح مشتركة.. ولهذا يخطئ وسطنا العربي في تصوراته السياسية.. ينسى أنه يعوم داخل تحركات أمواج هائلة المخاطر والأطماع في باطنها.. يحتّم عليه هذا التجاهل ما هو عليه من جمود في ظاهره الحياتي وفي نعاس زحفه البطيء عن مواقع تخلفه.. لقد تساقطت مميزات أوطان مهمة.. أين هو العراق؟.. ماذا فتت الصومال وقسّم السودان؟.. كم حكومات لبنان؟.. كم سيصل إليه رقم الرئيس في تونس؟.. وما هو مخرج اختناقات ليبيا واليمن؟.. ما هو بعيد عن الذكاء الاتجاه شبه الجماعي لأخذ الامتداد العربي وكأنه تناغم أحداث مشتركة مثلما يتوفر فيه تناغم حيثيات مشاكل أو مظاهر ركود مشتركة.. لكن مَنْ سيؤكّد إمكانية الوصول إلى الأفضل؟.. الثورات التي بدأت في دمشق قبل منتصف القرن العشرين ثم في مصر عند المنتصف، بعد ذلك عند العراق واليمن وبدأت معها زغاريد ومسيرات أفراح تؤكد أن العالم العربي قد تم تجديده وخروجه إلى حداثة الرئاسات والبرلمانات، وتأكيد أن الخلفية الاجتماعية التي كانت مهملة هي التي أصبحت متقدمة.. كلام.. في كلام.. ثم حروب صداقات.. ثم تدخل قوى أجنبية.. ثم برود حالات الخصومات الأجنبية أو استرداد حقوق مفقودة، يتلو ذلك بروز خصومات محلية مشهودة وغامضة، لكن كل قوة غير عربية أصبحت متفرجة تواجه المواقف بما تريده لمن عادوا إلى قسوة الفقر من تهميش.. مَنْ يتأمل المجتمعات يستطيع أن يصل إلى حقائق مخيفة، لكن مَنْ يستمع إلى طروحات التغرير السياسي أو الإعلامي بمختلف الوسائل هو مَنْ يمكن أن يشحن بمفاهيم خاطئة.. على سبيل المثال يتعرض الفلسطينيون عبر أكثر من نصف قرن لعمليات قتل جماعي وتوالي طردهم من أراضيهم عبر الاستيطان، ومع ذلك فقد مر قرار واشنطن مؤخراً عندما صوتت الأممالمتحدة باستعمال الفيتو الأمريكي لاستمرارية الاستيطان الإسرائيلي، وهو برهان دلالة على صعوبة الثقة بالنوايا الأمريكية عبر ما يتم الآن من أحداث.. لعل الصعوبة الكبرى في محاولة خروج العالم العربي من شتات واقعه وما هو مشهود من توفر القناعة بالركود من ناحية وفي نفس الوقت مزاملة الفقر المتكاثر.. الحقيقة أن العالم العربي في كل اجتماعات قممه السنوية أو خلال أي تفاوض مع قوى أجنبية لم تكن له خطط بناء مستقبل جديد وتنفيذ مشاريع تطوير لقدرات المواطنين من ناحية، أو تداخل المصالح العربية مع بعضها.. هل الواقع الخليجي مماثل لغيره؟.. هل تطغى فيه أكثرية فقر؟.. هل تتضاءل فيه قدرات اقتصاد؟.. هل يعاني تخلف تعليم؟.. الجواب لا.. نعم هناك سلبيات فيما سبق، لكن الحقيقة تؤكد أنه أفضل مساحات العالم العربي قدرات اقتصاد وتناسب وجود سكاني وتوافد إمكانيات اقتصادية أجنبية نافعة.. ومن السهل تصحيح تباين القدرات والإمكانيات، لكن من الخطأ أن يسمح باستمرارية التجزئة القائمة.. إن مصافحات القوى الدولية كبيرة أو صغيرة غير المرئية من السهل أن تشكل خطورات متعددة.. إذاً لا بد من وجود خليجي شامل توحد القدرات عليه أن يحافظ على استقلاليته من الداخل، لكن لا بد أن ينفذ جماعية وجوده السياسية والعسكرية، بما في ذلك رفع القدرات الاقتصادية للبحرين وسلطنة عمان.. وبذلك سيكون الأقدر على فرض بقاء ناجح يملك كل مؤهلات الزمالة الحضارية مع دول المقدمة العالمية خروجاً مما هي فيه بعض مواقع العالم العربي من مخاطر مبطنة تغذي استمرارية التشرذم وتنشيط الخصومات..