أصبحت وتيرة التغيير في عالم المال والأعمال تتجاوز نطاق الراحة لأي منا، وعليه فإن القواعد التي كانت تحكم عملية اتخاذ القرارات في هذا المجال لم يعد لها وجود أو لا يعتد بها حاليًّا. وهذه التغييرات المهمة تقودها عناصر تغيير تقوم على الأبعاد الأساسية للكون نفسه وهي؛ الزمان والفضاء والكتلة. لكن المشتقات من هذه الأبعاد الأساسية- وهي القدرة على التوصيل والسرعة والأمور غير الملموسة- تضفي ضبابية على هذه القواعد وتعيد تعريف النشاط التجاري وحياة كل شخص. في كتابه (سرعة التغيير في اقتصاد متشابك) للناشر أديسون ويسلي يقول مؤلفاه ستان ديفز وكريستوفر ميئير انه في هذا العالم الضبابي لم يعد للحواجز التقليدية وجود. فثمة دمج بين المنتج والخدمة. كما أن المشتري يبيع والبائع يشتري. وأصبحت سلاسل القيمة عبارة عن شبكات عنكبوتية اقتصادية تفتقر للترتيب. وتحولت البيوت إلى مكاتب. ولم يعد هناك فاصل واضح بين النظام الهيكلي والعملية، أو بين الامتلاك والاستعمال، أو بين المعرفة والتعلم، أو بين الواقع والافتراضي. وضاقت الهوة بين الموظف وصاحب العمل. وفي عالم يسوده رأس المال، الذي أصبح الآن دينًا مثلما هو أصول، تتنقل القيمة بسرعة شديدة إلى درجة تجعل من الصعب التمييز بين رأس المال أو الأرباح أو العوائد. لكن الشيء الوحيد الثابت هو ما تفعله الاقتصادات من الاستعانة بالموارد لتلبية الرغبات. ومع ذلك يبقى أن الطريقة التي يتم بها إشباع الرغبات في الاقتصاد الضبابي أو المضبب- إن صح التعبير- مختلفة أشد الاختلاف عن الطريقة التقليدية التي يتم بها إشباع الرغبات في الحقبة الصناعية. واليوم، ينجم النجاح من الشبكات أو المواقع العنكبوتية الاقتصادية التي ينشط فيها جميع اللاعبين في إيجاد القيمة وادعاء ملكيتها. وعليه فإن التمييز بين الشركة والبيئة التي تتواجد فيها أصبح أمرًا أكثر ضبابية. فجدول أعمال شركة ما مرتبط أو متشابك بجدول أعمال أخرى. وعليه فإن هذه الضبابية توجد قواعد جديدة للسلوك الاقتصادي توجد لوائح جديدة لاستراتيجية العمل. وعلى المستوى الفردي، يوجد ما لا قل عن خمسة أمور ضبابية. الأول؛ التمييز بين الفردي بوصفه هوية مستقلة وبوصفه عضوًا في المجتمع. فالقدرة على الاتصال والتواصل تمكن الناس من الحصول على مزيد من الاستقلال فيما يدفعهم الاستقلال إلى أن يصبحوا على قدر أكبر من الاتصال. الثاني؛ علاقة الأفراد بالسوق تتغير. فقد أصبح بإمكان الفرد أن يتيح للآخرين مقاسمته معرفته المتراكمة نظير حصوله على ربح. لكن هذا الأصل غير الملموس (المعرفة المتراكمة) يجب أن يُدار بعناية. الثالث؛ بدأ الفارق يتلاشى بين كون الشخص عاملا وكونه صاحب رأس المال. فقد أصبح من عادة الشركات أن تستعين بالعاملين بالقطعة والمستشارين والمقاولين ومن يقومون بنشاط للشركة يجعل منهم "شركة الشخص الواحد" التي ذات مهام الشركة الأكبر. الرابع؛ هو أن الفارق بين حياة العمل وحياة المنزل أصبح ضبابيًّا. الخامس؛ هو أن الناس ليسوا زبائن للشركة فيما تقدم من موارد وحسب بل هم زبائن- أيضًا- لرغبات الشركة. أخذًا في الاعتبار كل هذه المعطيات، يجب على الناس أن يفكروا في أنفسهم بوصفهم عملاء أحرارًا يجب أن يروجوا لقدرتهم ومهاراتهم وقيمتهم في السوق على أساس متواصل ومستمر. وهذا يضع على عاتق الأفراد عبء فهم اتجاه السوق ومدى إقباله على ما يتمتعون به من مهارات من أجل اكتساب مهارات جديدة تتواءم واحتياجات السوق. وبدلاً من أن تدير المنظمة الموظفين، يجب على الموظفين أو الأفراد أن يوجهوا المنظمة للمساهمة في بناء حياتهم المهنية. وعلى الرغم من أن رأس المال النقدي والعيني أمران ثابتان من حيث إنهما أصلان متراكمان للقدرة الإنتاجية، فقد بدأ رأس المال الفكري في البروز بجانب إدراك متزايد أن أكبر الأصول قيمة وأطول وسائل الإنتاج دوامًا هي المعرفة والموهبة والخبرة. وهذا يعني أن النجاح في ظل المنافسة لا ينطبق تلقائيًّا على من يجلسون على مقدار هائل من الأصول. ففي اقتصاد موسوم بسرعة منقطعة النظير، فإن ما له قيمة- في ظل هذا الاقتصاد- ليس ما هو ثابت، بل ما هو متحرك. وهذا يعني أن امتلاك معدات رأسمالية قد لا يكون مفيدًا على الدوام. إن رأس المال بوصفه مخزنًا لطاقة الإنتاج، يجب أن يُخلي سبيلا لرأس المال بوصفه وسيلة لاستعمال طاقة الإنتاج. في عالم ضبابي، فإن هذا الطرح يُختصر في أربع بديهيات بشأن رأس المال: 1- استعمله، ولا تمتلكه. 2- إذا كنت تمتلكه بالفعل، فاستهلكه. 3- ضع خططًا من أجل نبذ رأس المال الراكد. 4- ضع خططًا من أجل إعادة تشكيل مفردات رأس المال. Blur The Speed of Change in the Connected Economy By: Stan Davis and Christopher Meyer 224 pp. Addison-Wesley