إذا تم بعد 30 أو 50 عاماً فتح الأرشيف الحكومي في دمشق، واتضح أن الأسد الابن راغب بالسلام حقاً، فلن يصفح التاريخ عمن يديرون مقود السلطة في إسرائيل اليوم، لن يصفح أولادنا وأحفادنا عمن يفوت الفرصة 0ويتقلص مع مرور الوقت عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يذكرون التاسع من نوفمبر 1977. ففي ذلك اليوم، كان الرئيس المصري، أنور السادات، يوجه من على منصة مجلس الشعب المصري، خطاباً آخر من خطاباته الاعتيادية، عندما قال، فجأة، في خضم بحر الكلمات، عبارة أنا على استعداد للذهاب حتى آخر العالم، إذا كان ذلك سيمنع جرح أو مقتل أي جندي أو ضابط من أبنائي..وعندها، وأمام دهشة البرلمان،أضاف السادات: "وستفاجأ إسرائيل إذا سمعتني أقول: إنني على استعداد للذهاب إلى بيتها، إلى الكنيست ذاتها، لمناقشتهم". وقال أيضًا: "ليس لدينا الوقت الكافي لنضيعه".فهل دهشت إسرائيل؟ لقد انفجرت ضاحكة، ورفض قادتها، رجال الدولة والجيش، بسخرية وباستهتار، أقوال الرئيس المصري. فهل يمكن للسادات بالذات، رئيس أكبر وأكثر دولة معادية لاسرائيل، أن يحضر إلى الكنيست؟ واعتبر المقللون من أهمية الخطاب أن المسألة هي مجرد دعابة، أما المتشددون فاعتبروها "مؤامرة"، وقالوا إن الرجل يسعى إلى الحرب من جديد. فدولة إسرائيل لم تظهر، بعد حرب يوم الغفران )اكتوبر 1973(أي ميل لتصديق الرئيس المصري. شخص واحد في القدس قال لنفسه آنذاك: "ما الذي سنخسره؟"- والتقط الرسالة التي بثها إليه الرئيس السادات. ولبالغ الحظ كان ذلك الشخص في تلك الأيام، هو رئيس الحكومة، أيضاً، مناحيم بيجن. لقد دعا السادات إلى تنفيذ اقتراحه والقدوم إلى القدس. وهذا هو يا سادتي، الفارق بين الحزبي الأخرق والسياسي الذي يتوقع المستقبل.كل ما حصل بعد ذلك، أصبح في طيات التاريخ. لكن من تواجد هنا عندما شوهد الرئيس المصري يقف على باب طائرته، في مطار بن غوريون، ينزل الدرج، ويقف صامتنا على أنغام نشيد "هتكفا"، سيحمل هذه الصور معه حتى يومه الأخير. منذ ذلك الوقت، مرت أكثر من 25 عاماً، يسود خلالها السلام بين إسرائيل ومصر. وسواء كان بارداً، متعكراً، غريباً، إلا أنه يبقى سلام. لا حرب بين البلدين، لا قتلى بالآلاف، لا نار ولا دخان. بل سلام.يقولون إن التاريخ لا يكرر نفسه، ومع ذلك، ربما تكون هناك خطوط تشابه معين بين تلك الأيام الكبيرة، وهذه الأيام، التي "يزعجنا" فيها الرئيس السوري، بشار الأسد، ومنذ أيام كثيرة، بخطاباته السلمية وشتى التلميحات التي تشير إلى نيته تصفية الصراع الدامي بيننا. ولم لا؟ فصور العالم التي يشاهدها من شبابيك قصره في دمشق، تغيرت كلياً: لقد تبخر العراق، وليبيا ترتعد، وايران تثير جلبة. وتوصلت مصر والأردن إلى سلام مع إسرائيل، وكما يبدو ستكون المسألة مع الفلسطينيين حكاية طويلة. إذا ما الذي يمكن للرئيس الأسد توقعه؟لقد كرر الأسد إظهار نواياه السلمية عدة مرات، فيما يعتبرونه في القدس "مزعجاً" ويحاولون "إنزاله عن ظهورهم". ما المفاجئ في ذلك؟ فشارون يجلس في مكتبه ويقول لنفسه: "ويلي، ما حاجتي إليه الآن؟" شارون مشغول حتى أعلى رأسه بالفلسطينيين الذين يحاولون إحراق دولة إسرائيل- وفجأة يأتي هذا الأسد. الآن بالذات؟ أهذا هو التوقيت المناسب؟ لم انته بعد من "غينوت أرييه" و"ميغرون" والماعز والكلبين في "حفات معون"، ليأتيني هذا ويتحدث ذاك. في تل أبيب يجلس رجالات شعبة الاستخبارات، الذين يتولون مسؤولية التقييم القومي، والذين يتبعون لشعب إسرائيل، لا لحزب الليكود أو العمل. إنهم يتلقون رواتبهم من الدولة ويفكرون - وهذا ما نؤمن به ونتأمله، على الأقل - من أجل الدولة ومصلحة الدولة، فقط. الأسد يواصل التلميح، رئيس هيئة الأركان العامة ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية والخبراء يدعون أنها تلميحات "جدية"، فيما يواصلون لدى رئيس الحكومة، شارون، البحث عن كل تصدع للتملص من الحاجة إلى مواجهة تصريحات الأسد. من المحتمل جداً أن لا تسفر تصريحات الأسد عن أي شيء. أن تكون "كلام فاضي". ربما يكون قد أصيب بالخرف، وربما يقول هذا الكلام تخوفا من القبضة الأميركية. ربما؟ إنني أميل، أحياناً، إلى تصديق ذلك.ولكن.. ، ماذا إذا كان الأسد يتطلع حقاً إلى السلام، وفوتنا نحن فرصة من يعرف ما إذا كانت ستتكرر. إذا تم بعد 30 أو 50 عاماً فتح الأرشيف الحكومي في دمشق، واتضح أن الأسد الابن رغب بالسلام حقاً (وبأي ثمن؟) - فلن يصفح التاريخ عمن يديرون مقود السلطة في إسرائيل اليوم، لن يصفح أولادنا وأحفادنا عمن يفوت الفرصة. يديعوت احرونوت