وضعت الانتكاسة الصحية المفاجئة والخطيرة لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون الاسرائيليين، دفعة واحدة امام اسئلة كبيرة ربما لم يكونوا مهيئين لها من قبل، رغم التقلبات الكثيرة التي شهدتها خمس سنوات من حكم شارون واثبت فيها لخصومه ومناصريه انه الوحيد القادر على اتخاذ قرارات صعبة في الاوقات الصعبة. فهذه التجربة الاولى التي يجد فيها الاسرائيليون انهم امام تحد من هذا النوع في الوقت الذي يتوجهون فيه الى انتخابات عامة بعد اقل من ثلاثة شهور، كنتيجة مباشرة لزلزال سياسي داخلي احدثه شارون نفسه عندما انشق عن حزبه الليكود واسس حزباً جديداً اراد له ان يقود تحولات سياسية اخرى خاصة على صعيد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، واطلق عليه اسم «الى الامام» (كاديما). ولعل اول ما يمكن ان يطرح على جدول الاعمال الاسرائيلي هو موضوع اجراء الانتخابات الاسرائيلة في موعدها أي في 28 اذار في حال غياب شارون، وما هي فرص حزب «كاديما» بالفوز من دون شارون، بعدما اظهرت استطلاعات الرأي المتعاقبة تقدما كبيرا له على حزبي العمل والليكود. وفي مثل هذا الوضع الصعب يحاول البعض في اسرائيل ان يخفف من روع من يساورهم القلق سواء في اسرائيل او خارجها بأن هذه الدولة قوية ونظام الحكم فيها بالرغم من جميع نواقصه فإنه قوي مستقر.. سلامة رئيس الحكومة في جهة وسلامة الدولة في جهة. وكما حصل في الماضي تستطيع ان تثبت لكل ما يقتضيه تبادل السلطة، المؤقتة أو الدائمة. يتبدل رؤساء الحكومة، لكن دولة اسرائيل تظل قوية. وطبقا للقانون الاسرائيلي فقد جرى تكليف ايهود اولمرت نائبه قائما باعمال رئيس الحكومة طالما ظل رئيس الحكومة غير قادر على القيام بمهام عمله وقد يستمر هذا الوضع الى حين اجراء الانتخابات العامة. وقد سارع مسؤولون اسرائيليون الى استبعاد تأجيل انتخابات الكنيست ال 17 وقالوا انها ستجرى في موعدها، في 28 اذار، بغض النظر عن وضع رئيس الحكومة الصحي. غير انهم لمحوا الى ان القانون يمكن الكنيست من أن تقرر بأكثرية 80 عضو كنيست تمديد فترة ولايتها اذا ما وجدت «ظروف خاصة» تمنع اجراء الانتخابات في موعدها، الامر الذي لم يحدث الا مرة واحدة في تاريخ دولة اسرائيل، عندما اجلت انتخابات الكنيست الثامنة شهرين، بسبب حرب يوم الغفران في 73. وبغض النظر عما سيؤول اليه وضع شارون الصحي والسيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة، فقد طرح لاول مرة في اسرائيل علنيا ماذا بعد شارون؟ مثل هذا السؤال لم يسبق ان طرح بسبب شكل نظام الحكم في اسرائيل والذي لا يقوم على التداول. وقال الكاتب الاسرائيلي الوف بن في مقال له في صحيفة هارتس أمس «حتى اذا ما شفي شارون فانه، سيصعب عليه جدا أن يقنع الجمهور بقدرته على ولاية عمله لاربع سنين اخرى، بعد أن اصيب بجلطتين دماغيتين في مدة زمنية مقدارها اسبوعان ونصف. ومع كل الحذر يبدو أن عصر شارون في قيادة اسرائيل قد بلغ امس الى نهايته المأساوية». واضاف: بعد التنفيذ الناجح للانفصال. اقتنع قادة العالم، الذين تحفظوا منه في الماضي، بأنه الرجل الوحيد الذي يستطيع تقديم تسوية سياسية او انسحاب آخر من المناطق. استبدال القيادة سيجعل السياسة الاسرائيلية غامضة جدا، وسيثير على وجه اليقين غير قليل من القلق والحيرة في العالم. وفي مقال له في يديعوت قال الكاتب الاسرائيلي ناحوم برنياع: «حتى اذا ما خرج رئيس الحكومة، بمعجزة، بلا ضرر، فإن وضعه السياسي قد تغير. الجلطة الدماغية الاولى التي اصابته قبل نحو اسبوعين، اثارت الشكوك. كانت الجلطة الأخيرة اخطر وكانت الثانية في الترتيب: لقد القت ظلا ثقيلا على قدرته على العودة الى اداء عمله في الزمن القريب وللثبات للاعباء الملقاة على رئيس حكومة في اسرائيل بفترة ولاية اخرى». ولم تنحصر الشكوك على مصير شارون السياسي بل امتدت ظلالها الى حزبه الجديد «كاديما» الذي اثبتت استطلاعات الرأي السابقة انه في المقدمة حيث حصل على نسبة تقديرية معدلها ما بين 40 - 54 مقعدا في الكنيست، مقابل 14 مقعدا لحزب الليكود وما بين 22 -42 للعمل. اما الآن فقد اظهر استطلاع للرأي اجري في اسرائيل ان حزب كاديما من دون شارون تراجع الى 13 مقعدا، مقابل 16 لليكود و28 لحزب العمل.