الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد.. فاهتداء بقول الحق جل وعلا (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وقوله جل وعلا (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) وقوله سبحانه (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة..) الحديث. وعملا بالمقتضى الشرعي في الاهتمام بشؤون الأمة وكيانها فقد تأمل بعض المهتمين بهموم الوطن ومصلحته في التحديات والمخاطر التي تواجهها المملكة وما يمكن أن يسهم به رجال العلم والثقافة في خدمة وطنهم ومجتمعهم فيما يتعرض له من مشكلات وضغوط واقترحوا ترتيب لقاء وطني لحوار فكري تناقش فيه بعض قضايا الوطن من أجل تأصيل تمسكها بدينها وثوابتها الشرعية وتوثيق عرى الوحدة الوطنية وتمتين أواصر العلاقات بين أفرادها وتوثيق صلتها بالعالم الاسلامي في اطار الوسطية والاعتدال. وقد عرض الاقتراح على صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني فوافق حفظه الله عليه ووجه باتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذه. وقد اشترك في هذا اللقاء ثلة من أهل العلم الشرعي والفكر الاسلامي من أطياف فكرية متعددة وعقد اللقاء في رحاب مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض في المدة من 15 الى 18/4/1424ه الموافق من 15 الى 18/6/2003م وافتتح اللقاء بكلمة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني التي ألقاها نيابة عنه معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد. وتناول المجتمعون في تسع جلسات عمل وجلسة خاتمة حفلت بالمناقشات العلمية الهادفة والمصارحة والوضوح في مناقشة محاور اللقاء الاساسية وهي: المحور الأول: الوحدة الوطنية وأثر العلماء فيها. ويشتمل على الموضوعات التالية: 1 تعريف الوحدة الوطنية وأهمية الوحدة والاصول الشرعية التي تبنى عليها والدور الريادي للعلم والعلماء في المملكة العربية السعودية في ضمان الوحدة الوطنية. 2 الغلو والتشدد والتوسع في سد الذرائع في مقابلة التحلل من الثوابت الشرعية وأثر ذلك على المجتمع. 3 التنوع الفكري بين شرائح المجتمع. 4 حقوق المرأة وواجباتها ودورها في المجتمع. 5 حرية التعبير. 6 الفتوى المعاصرة وربطها بالواقع الاجتماعي وأثر ذلك على الوحدة الوطنية وتماسك الداخل (فتوى الافراد مقابل فتوى المجامع والهيئات العلمية.. دراسة وتقويم). المحور الثاني: العلاقات والمواثيق الدولية وأثر فهمها على الوحدة الوطنية. ويشتمل على الموضوعات التالية: العلاقات الدولية في الاسلام الدعوة في الداخل الدعوة في الدول الاسلامية وغير الاسلامية: 1 أهمية المصالح المشتركة في علاقات المملكة العربية السعودية بالدول الأخرى. 2 التعامل مع غير المسلمين في ضوء الكتاب والسنة. 3 الجهاد وأحكامه. وبعد مناقشات ومحاورات سادتها روح الاخوة والصراحة والرغبة الصادقة في تأصيل مناهج العمل في المملكة فيما طرح من موضوعات على الاسس الشرعية والثوابت الاسلامية الراسخة خلص الملتقون الى التوصية بما يلي: 1 اعتبار خطاب صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني حفظه الله وثيقة رئيسة للقاء يسترشد أطراف الحوار بما أكدته من معان وأفكار وما تضمنته من مضامين مهمة منها.. * الوعي بما يحدق بالوطن من أخطار وهجمات شرسة تمس عقيدته ووحدته الوطنية والتنبه الى ما تحدثه عوامل التنافر والشقاق بأشكاله القبلية أو الاقليمية أو الفكرية من هدم لعرى التماسك والترابط وأواصر بناء العلاقات الاخوية في ظل الوطن الواحد. * ادراك أن الاختلاف والتنوع الفكري وتعدد المذاهب واقع مشاهد في حياتنا وطبيعة من طبائع البشر يستثمر في التأسيس نحو استراتيجية التعامل في الدعوة والنصح والحوار وتوجيهه الوجهة السليمة التي تخدم أهداف المملكة وثوابتها وقيمها الشرعية. * الأخذ في الاعتبار الواقع المعاصر والتقدم التقني في الاتصالات وتداول المعلومات بسرعة دون موانع أو عوائق مما يحتم ضرورة وضع أساليب جديدة لحماية الدين والوطن والمواطن. * تركيز العناية والتفكير في قضية الخطاب الاسلامي الداخلي والخارجي بما يؤكد تمسك المملكة بعقيدتها الاسلامية وصلاتها بعالمها الاسلامي ووحدتها الوطنية في اطار من الوسطية والاعتدال. * السير في كل ما سبق داخل مضمار الحوار العلمي الموضوعي الهادىء البعيد عن التنافر ووحشة القلوب واساءة الظن. 2 التوصية بتقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن والعودة الصادقة الى الله سبحانه وتعالى والانكسار بين يديه لأن ما يصيب الامة من نوازل انما هو بسبب بعدها عن الله سبحانه وتعالى وبعدها عن كتابه ومنهاج رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في القول والعمل ويوصون أنفسهم وطلبة العلم من أساتذة الجامعات وأئمة المساجد وخطبائها بإعطاء هذا الجانب ما يستحق من العناية والنصح والارشاد والتوجيه مستخدمين في ذلك جميع وسائل التبليغ المتاحة من وسائل اعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة وتطور الخطاب الدعوي بما يستجيب لحاجات النفس البشرية والمجتمع. 3 التطوير العملي لفكرة هذا اللقاء وتوسيع دائرة المشاركة فيه ليشمل جميع المستويات ويعالج مختلف الموضوعات وذلك بإنشاء مركز للحوار الوطني يعنى بتنظيم اللقاءات وإعداد البحوث والدراسات في هذا المجال ويرغب المشاركون الى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز تبني هذا المركز. 4 المحافظة على الوحدة الوطنية لهذه البلاد المبنية على العقيدة الاسلامية الصحيحة وعلى الثوابت الشرعية التي تستمد منها الدولة نظامها ويستمد منها المجتمع هويته وتعميق معاني البيعة والسمع والطاعة بالمعروف تحقيقا للجماعة ومنعا من الافتراق والتشتت واستتبابا للأمن بكل معانيه المادية والمعنوية. 5 التوكيد على مكانة العلماء ودورهم في ضمان الوحدة الوطنية وتعميق مفهومها وأسسها الشرعية وتوكيد دورهم في رد الشبه وتقويم الانحراف في فهم نصوص الكتاب والسنة وبخاصة في مجال الوحدة الوطنية واجتماع الكلمة وفي التعامل بين المسلمين وبين المسلمين وغيرهم والأخذ بالنصوص الشرعية مجتمعة غير مجزأة وتوضيح مقاصد الشريعة الواردة في تلك النصوص. 6 ان من أقوى دعائم الوحدة الوطنية الاهتمام بمعالجة هموم الحياة اليومية للمواطن والتوازن في توزيع برامج التنمية بين مناطق المملكة والاهتمام بالمناطق الريفية بهدف استكمالها للخدمات الاساسية ومعالجة ضعف الأداء في الأجهزة الحكومية خاصة ذات العلاقة بالشأن العام. 7 الاستمرار في تطوير عناصر العملية التربوية بما يحقق مواكبة العصر وتعزيز الوحدة الوطنية وبما ينمي في نفوس الطلاب صفة التقوى والاستعداد للبذل والتضحية وتقديم المصلحة العامة وبما يضمن حماية الهوية الاسلامية للمواطن ووعيه بها وحمايتها من أي مؤثر سلبي. 8 مراعاة قضايا الشباب في خطط التنمية وبرامجها وبذل المزيد من الاهتمام بهم والمعالجة الشاملة لكافة المشكلات التي يواجهونها. 9 على وسائل الاعلام مراعاة الاسهام في تعضيد الوحدة الوطنية وعدم المساس بالثوابت التي قامت عليها واحترام العلماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله بالحسنى. 10 الاستمرار في عملية الاصلاح بكافة جوانبه وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية يعزز الوحدة الوطنية ويعمق مشاعر الانتماء. 11 الاسلام دين وسط في العقيدة والأحكام الشرعية لا يقبل الغلو والتشدد كما لا يقبل التحلل من الثوابت الشرعية ويفرق بين التشدد والغلو والتمسك بالسنة والالتزام بها. 12 قاعدة سد الذرائع من القواعد التي شهد لها الشرع بالاعتبار وهذه القاعدة ينبغي اعمالها بتوسط واعتدال فلا يهمل اعمالها ولا يتوسع في استخدامها بما يؤدي الى التضييق والتشدد فيما يكون في دائرة المباحات. 13 أهمية الحوار وسيلة للتعبير عن الرأي وأسلوبا للحياة وتأطيره لتحقيق التعايش من خلال منهجية شاملة تلتزم بالاصول والضوابط الشرعية. 14 الاختلاف والتنوع الفكري سنة كونية وحقيقة تاريخية لذا لا يمكن الغاؤه وتجاوزه وان ما يخفف من اثاره الضارة اعتماد منهج القرآن الكريم في الحكم على الآراء والأشياء والأشخاص بتحري الحقيقة والموضوعية والعدل والتعايش مع هذا الاختلاف وضبطه والتفريق بين الثوابت والاجتهادات في مجال التنوع والاختلاف وتحديد مرجعيته بالكتاب والسنة. 15 العمل على معالجة القضايا والمشكلات والمظالم والممارسات والتقاليد المخالفة لاحكام الشريعة الاسلامية التي تواجه المرأة في العصر الحاضر وابراز الصورة الحقيقية لها في الاسلام والعمل على وجودها في الوطن نموذجا للمرأة المسلمة وتوسيع دائرة مشاركتها فيما يخدم قضايا المرأة المسلمة. 16 ضمان حرية التعبير عما يراه المسلم حقا وفق الضوابط الشرعية المعتبرة بما لا يتعارض مع محاسبة من يمس الثوابت الشرعية أو المصالح المتفق عليها أو حريات الآخرين. 17 للفتوى مكانة سامية ومهمة عظيمة في المجتمع المسلم ولذا تتأكد حاجتها الى مواكبة العصر والتواصل مع مختلف المجامع الفقهية وتفعيل الاجتهاد والاستفادة من المختصين في العلوم الاخرى. وتأسيس مراكز للدراسات والبحوث العلمية المساندة للفتوى وتكوين لجان للفتوى في مختلف مناطق المملكة. 18 ضرورة الوعي بالظروف الاقليمية والدولية ومراعاتها واتباع المصالح القائمة على العدل في تأسيس العلاقات الدولية والاستفادة من الطاقات العلمية والفكرية في تأصيل العلاقات الدولية على منهج الاسلام وطرح المبادرات التي تبين حلول الاسلام للمشكلات العالمية. 19 الجهاد ذروة سنام الاسلام وقد بينت الشريعة أحكامه وأسسه ومبادئه والحاجة قائمة الى ربط تلك الاحكام بالواقع واعلان الجهاد منوط بولي الأمر ويجب العمل على توضيح أحكام الجهاد حتى لا يساء فهمه ولابد أن يفرق بين الجهاد الحق والافساد في الارض. 20 يؤكد المجتمعون على أن مقاومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين حق مشروع ويؤيدون بهذا الخصوص جهود المملكة العربية السعودية في نصرة الشعب الفلسطيني نحو استرداد حقوقه المسلوبة ودفع العدوان ورفع الظلم عنه. 21 ان مما يتألم له المشاركون في هذا اللقاء الاعتداءات الآثمة على المسلمين من المواطنين والمقيمين وغيرهم من المستأمنين ويقررون أن ذلك محاربة لله ورسوله وافساد في الارض وأن الاسلام بريء من تلك الأفعال الاجرامية. 22 يتقدم المشاركون بالشكر والتقدير وعظيم الامتنان لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز على دعوته الى هذا اللقاء ورعايته له ويرغبون الى رئيس اللقاء رفع برقية شكر وتقدير الى مقام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وأصحابه أجمعين.