عاش مع زوجته حياة طيبة، وطالما حلما أن ينجبا طفلا ينثر عبيره على حياتهما فقد كان للصبر متسع في قلبهما، ولقضاء الله وقدره تسليمها، وللأمل بعطائه متنفسهما، فشاء الله ورزقهما بمولود أعطى للسعادة طعما اخضرت معه حياتهما من جديد، فكانا يخافا عليه من كل شي حتى من نسمة الهواء.. ورعياه وأغدقا عليه الكثير من حبهما وحنانهما، واهتمام بتربيته وتنشئته، وأدخلاه مدرسة القرية حتى أنهى مراحلها الاولى، فطلب من والديه إكمال تعليمه الجامعي بالسفر للمدينة، وهي تبعد عن القرية كثيرا ما يعني أن، يقيم فيها ، وهما لا يستغينان عنه لحاجتهما, ولكن لم يقفا حائلا أمام رغبته. فسعيا في تأمين الأموال له، فكانا يحرمان نفسيهما من الطعام والملبس في سبيل أن يوفرا له الأموال.. وصار يأتي لزيارتهما في كل عطلة سنوية.. حتى انقطع عنهما مدة طويلة.. وقلقا عليه كثيرا وقررا زيارته للاطمئنان عليه.. وبعد أن تحملا عناء الطريق ومشقة السفر، وصلا للمدينة وأخذا يبحثان عنه أصباهما الإعياء، وبعد أن وصلا لداره طرقا الباب فخرج لهما ولد صغير سألاه لمن هذه الدار ومن تكون، فأجابهما على سؤالهما فأخذا يضمانه إلى حضنهما يقبلاه ويشما فيه عبق رائحة ابنهما، ثم طلبا منه أن يخبر أباه عن قدومهما، فهرول مسرعا إلى والديه فرحا يخبرهما عن الأمر بأن رجلا وامرأة كبيرين في السن يسألان عنك ويقولا أنهما والداك. وبدلا من أن يستبشر بهذا الخبر الذي سر أبنه وينحني أجلالا لشيبتهما ويقبل تراب قدمهما، طلب من أبنه أن يذهب أليهما ويخبرهما بعدم وجوده.. هذا الأمر استوقف الابن للحظات ثم ذهب وأخبرهما بذلك، فقررا أن ينتظراه حتى يعود وقبل أن يغلق الباب طلبا منه أن يحضر لهما لحافا يقيهما من البرد الشديد، فذهب إلى أبيه يخبره بما طلباه منه، فأمره أن يذهب ويحضر لهما لحافا قديما، ثم احضر مقصا وصار يقطع اللحاف الى نصفين، مما أثار استغراب ابنه مضت برهة من الزمن وهو واقف.. فرمقه ابوه بنظره وهو يأمره بحمل اللحاف.. قال الأبن: نعم.. سأذهب بهذا اللحاف الى والديك ولكن سأحتفظ بلحاف قديم لأقدمه لك عندما تكبر!! علي ناصر الصايغ تاروت