يبدو أننا نعيش فجر ثورة جديدة تطلق عليها مؤلفة الكتاب: ثورة الحياة الدوارة. يدفع بهذه الثورة التقاء عدد من العوامل الثقافية والتكنولوجية والديموغرافية المؤثرة. إن ثمة تحولا ً جذرياً في أساليب معيشتنا وعملنا وأنماطنا الشرائية، هذا التحول هو في جوهره انعتاق من الفكرة (الضمنية) التي طال تبنينا لها، وهي مرحلة التناغم بين نشاط الإنسان والمرحلة العمرية التي يمر بها. في كتابها الجديد ( كيف سنعيش ونعمل ونتسوق) تعزو مؤلفته مادي ديشتوولد هذا التناغم بين النشاط والعمر، الذي كان يحظى دائما بالقبول الاجتماعي، أنه القاعدة الأم لتأسيس بعض القوالب الفكرية، كأن يكون التعليم فرصةً لا تُتاح إلا مرة واحدة، أو كأن يكون الزواج متاحا مرة واحدة عبر الحياة، أو أن يتم ربط معنى "الشباب" بمرحلة عمرية معينة، أو أن التقاعد إلزامي عند بلوغ الستين، هذا إضافة إلى ربط منتجات أو خدمات بمرحلة سنية معينة. أما الآن، فقد تغيرت الأمور، وما عادت حياة البشر سلسلة من المراحل المتتابعة المتوقعة، وصرنا نكسر القوالب التي شكلتنا لأمد طويل،وما عدنا نتخذ قرارات الشراء بناءً على مرحلتنا العمرية، كما تبين خطأ النمط التسويقي المؤسس على الربط بين المنتجات والمراحل العمرية، إذ يتطلع المستهلكون اليوم إلى حرية وديناميكية أكثر في اتخاذ ما يعنّ لهم من قرارات الشراء. يبدو الأمر وكأنه أخذ في الاعتمال فجأة! فقد أخذنا نبدل في الطريقة التي اعتدنا أن نفكر بها في أمور مستقرة مثل الزواج والتعليم والتقاعد والأبوة والأمومة، وما يحدث في الواقع هو تحول من نموذج الحياة الخطّية إلى نموذج الحياة الدوّارة (في دورات ). ففي عالم اليوم، ما عادت نشاطات المرء وأدواره مرتبطة بسنه، فمنّا الآن من يعاود دراسته في سن الخامسة والثلاثين، ومنّا من يبدأ في الإنجاب عند سن الخامسة والأربعين، ومنا من يغير مهنته تماما عند الخمسين، ومنّا من يتزوج ثانية في سن السبعين. إننا نمر الآن بمرحلة التحرر من الحياة ذات الاتجاه الواحد المحدد إلى الحياة الدوّارة ذات الإمكانيات غير المحدودة عبر كل المراحل العمرية على حد سواء، لكل من يريد أن يقبض على زمام حياته بكلتا يديه. وثمة عوامل ديموغرافية قوية تدفع بهذه الثورة قُدماً، ونحن في حاجة إلى تفهمها. ولعل هذا هو السبب في أن الكثير من قادة الأعمال والاقتصاد والسياسة يدركون أنهم إذا ما تفهّموا هذه الأسباب فسيكون بمقدورهم أن يستشرفوا اتجاهات المستقبل، فيما يخص سلوك المستهلكين، وكذلك السياسات الاقتصادية المتوقعة. ترصد المؤلفة القوى الديموغرافية الثلاث الرئيسة المؤثرة في تغيير حياتنا كالآتي: 1- طول الأجل: فمتوسط الأعمار في ارتفاع مستمر، ربما نتيجة للتطور الهائل في صناعة الدواء. ويجب أن يتبع هذه الظاهرة إعادة نظر في الكثير من المعتقدات المرتبطة بكبار السن، كما يستدعي أيضا وجود منتجات وخدمات جديدة لتلبية الحاجات التي ستبزغ لتلك الفئة العمرية. 2- تراجع ما أُطلق عليه مجتمع الشباب، نتيجة قلة المواليد وارتفاع متوسط الأعمار. وذلك نتيجة زيادة منهم هم في عمر ال 50، وتقلص الفئة العمرية من18-34. وبهذا صار المفهوم الجديد لسوق الشباب على أنه السوق الذي يتمتع بديناميكية أعلى، وليس بناءً على سن معينة. 3- تغير البنية الثقافية للقاعدة الاجتماعية الأوسع. فمع سواد طبقة منتصف العمر على طبقة الشباب (18-34)، فإن صفات الفئة الأولى يجب أن تؤخذ في الاعتبار جيدا من قبل مقدمي الخدمات والمنتجات. والجيل الخمسيني الآن هو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأحد معتقدات أبناء هذا الجيل أنهم لا يؤمنون بمقولة "عش سنك"، فهم يؤمنون أكثر بنموذج الحياة الدوّارة. ثم ترصد المؤلفة بعد ذلك، وعلى مدار باقي الكتاب، الأثر الذي سيحدثه نموذج الحياة الدوارة على مجالات أساسية في حياتنا مثل التعليم والمهنة والأسرة. وسنكتفي هنا بعرض أول هذه المجالات. تأليف مادي ديشتوولد