كنا في شهر شعبان نمني النفس بالبلاغ وتتوق قلوبنا وأرواحنا للقاء هذا الشهر الكريم والموسم العظيم شهر رمضان الذي يعظم الله فيه الاجر ويجزل المواهب , ويفتح الخير فيه لكل راغب , "شهر الخيرات والبركات , شهر المنح والهبات , شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" , شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار , أوله رحمة , واوسطه مغفرة وآخره عتق من النار , اشتهرت بفضله الاخبار , وتواترت فيه الاثار. خصه الله تعالى على سائر الشهور بالتشريف والتكريم , شهر اقالة العثرات , شهر مضاعفة الحسنات , شهر اجابة الدعوات , شهر لا يعدل به سواه من الاوقات. ولا شك ان الناس كانوا خلال الشهر الفضيل متفاوتين في اغتنام أوقاتهم ومختلفين في استثمار هذه الفرصة العظيمة التي من الله بها عليهم وحرمها كثير ممن أضحى تحت الثرى فتجد منهم من يستعد لأيامه ولياليه بهمه عالية للطاعة والعبادة ليغفر الله له ما سلف من الذنوب والاثام , واخرون يقبل عليهم الشهر ويدبر وهم في غفلتهم سادرون وعن العمل الصالح منصرفون , وهناك من لا تخطئهم العين الراصدة حيث بدأ استعدادهم المبكر لهذا الشهر الكريم بطريقتهم الخاصة والمعتادة في ملء البيوت بما لذ وطاب من الأكل والشرب وكأنهم مقبلون على حرب ضروس تشح فيها المؤن او مجاعة طويلة تقل فيها الموارد , ينفقون في الشراء أموالا طائلة تغطي القائمة الطويلة من طلبات (ام العيال) الحريصة على الابداع المنقطع النظير في موائد السحور والافطار وما بينهما , وليس ثمة ضير من الانفاق بحدود معقولة , ولا تثريب عليهن من الابداعات فيما يملأ الصحون العامرة والابتكارات فيما تزدان الاطباق الرائعة ولكن من يملك منهم ومنهن التوازن المحمود والوسطية المرغوبة التي تبتعد عن التقتير او الإسراف أو التبذير , أحسب أنهم نادرون فنظرة سريعة للأسواق قبيل الشهر بأيام وخلاله تؤكد لك مستوى الوعي الاستهلاكي الذي وصلنا اليه. يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم( يا بني أدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين) قال ابن عباس:(أحل الله في هذه الاية الاكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة , أما ما تدعو الحاجة اليه وهو ما سد الجوع وسكن الظمأ فمندوب اليه عقلا وشرعا لما فيه من حفظ النفس وحراسة الحواس) ا ه , وقيل في قلة الاكل منافع كثيرة منها: ان يكون الرجل اصح جسما واجود حفظا وأذكى فهما واقل نوما واخف نفسا وفي كثرة الاكل كظ المعدة ونتن التخمة , ويتولد منه الامراض المختلفة, فيحتاج من العلاج أكثر مما يحتاج اليه القليل من الاكل , وقال بعض الحكماء: اكبر الدواء تقدير الغذاء , وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بيانا شافيا يغني عن كلام الاطباء فقال: (ما ملء ابن ادم وعاء شر من بطنه بحسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) اخرجه الترمذي , ويذكر أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق فقال لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء , والعلم علمان , علم الاديان وعلم الابدان , فقال له علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا , فقال له: ما هي ؟ قال قوله عز وجل:( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) فقال النصراني:( ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب , فقال علي: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب في الفاظ يسيره , قال: ماهي: قال: المعدة بيت الأدواء والحمية رأس كل دواء واعط كل جسد ما عودته) فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طبا. وروى مسلم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:( الكافر يأكل في سبعة امعاء والمؤمن يأكل في معى واحد) وقد كانت العرب تمتدح بقلة الاكل وتذم بكثرته , كما قال قائلهم:==1== تكفيه فلذة كبد ان الم بها ==0== ==0==من الشواء ويروى شربه الغمر ==2== وليد بن سليم محمد السليم