لم انطفأ المصباح؟ لقد حطمته بمعطفي، ليكون بمنحى من الريح، ولهذا فقد انطفأ المصباح. ولم ذوت الزهرة؟ لقد شددتها الى قلبي في شغف قلق، ولهذا فقد ذوت الزهرة. لم نضب النهر؟ لقد وضعت سدا في مجراه، لأفيد منه وحدي، ولهذا فقد نضب النهر. لم انقطع وتر المعزف؟ لقد حاولت ان اضرب عليه نغما أعلى مما تطيقه قدرته، ولهذا فقد انقطع وتر المعزف. هذه الحوارية للشاعر الهندي طاغور تذكرنا بمقولة (ومن الحب ما قتل) ويقال : ان الحب اشد فتكا بالانسان من الكراهية، لأن الكراهية شحنة عاطفية ناضبة، تنتهي بتفريغها لحظة المواجهة على محك الواقع، وتنتهي تأثيراتها السلبية بانتهاء ذلك الموقف، وبالذات التأثيرات النفسية التي يعني بقاؤها استمرار التوتر والقلق. اما الحب فانه شحنة عاطفية متجددة غير ناضبة، فان كان موفقا أسعد الطرفين، وان كان غير موفق اودى بأحد الطرفين، او بكليهما الى الجنون، أو ماهو اسوأ من الجنون.. الموت. ومن المؤسف اننا احيانا نتعامل مع من نحب باهتمام يصل الى درجة القسوة، وهكذا كان حال المصباح الذي انطفأ، والزهرة التي ذوت، والنهر الذي نضب، والوتر الذي انقطع. وهناك نوعان من الحب احدهما حقيقي يقود الى مرافئ السعادة، والآخر وهمي يجر الى الدمار والخراب لأنه مبني على أسس واهية تؤدي الى تصورات واهية تنجم عنها تصرفات تلغي العقل، وتترك للعاطفة الهوجاء ان تعيث فسادا، وتزعزع الثقة، وتزرع اشواك الشر في طريق الآخرين. والحب القاتل هو الحب الاعمى الذي تصنعه عوامل الأنا التي قد تصل الى مستوى يلغي كل عوامل الانضباط، ويتمرد على الواقع ليكون له عالمه الخاص المنسلخ عن أي حذر، والمتأبط شرا لاينتهي تناميه بنهاية ظرفه الزماني او المكاني لانه اصبح (بصمة) في تفكير فرد او افراد يرون في الخير ومالا يراه سواهم من الشر. كيف للحب ان يطفئ مصباحا يضيء الدرب؟ ويقطف زهرة يستمتع بشذاها الجميع؟ ويجفف النهر الذي يسقي بذور الأمل؟ ويقطع الوتر الذي يرسل أحلى الانغام؟ أليس هذا التصور صعبا لواقع أصعب؟