نحتفل هذه الايام بالذكرى 73 لليوم الوطني .. يوم اعلان الوحدة .. وجمع الشمل تحت راية التوحيد .. وهو يوم بالغ الدلالة .. باهر الذكرى .. قوي النبض يذكرنا بكل اجلال واكبار بالملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه داعية الوفاق .. والاخاء .. الذي صنع بحكمته .. وشجاعته .. وبعد نظره - بتوفيق الله جلت قدرته - واحداً من ابرز وأهم احداث القرن العشرين وتاريخ العالم الحديث واكثرها تأثيراً بعد ان امضى قرابة ثلث قرن يجاهد لتوحيد هذا الكيان الغالي على كلمة سواء .. بدأ مسيرته الظافرة وهو في الحادية والعشرين من عمره برسالة وجهها الى والده الامام عبد الرحمن بن فيصل يقول فيها : (أي والدي .. انك لن تراني بعد اليوم الا منتصراً .. والا فانك لن تراني ابداً ) !! @ وعندما توجت مسيرته - رحمه الله - باسترداد الرياض عاصمة ابائه واجداده في 19 شوال 1319ه ثم قيام المملكة العربية السعودية بعد ملحمة من النضال الوطني لم يكن هذا النصر انتصاراً شخصياً لعبد العزيز .. او لاسرته .. ولا التماسا للزعامة وهو ازهد الناس بها .. ولا بحثاً عن مجد لديه منه مايكفيه بل كان انتصاراً للاسلام وللأمتين العربية والاسلامية وقضاياها المحلية .. والاقليمية .. والدولية . @ يقول احمد عسه في كتابه معجزة فوق الرمال : ( لقد وعى التاريخ اسماء ابطال فتحوا الفتوحات وعظماء شيدوا الدول ، وعلماء كشفوا بعض نواميس الكون ودفعوا البشرية خطوات في طريق الحياة الأفضل ولكن التاريخ لم يع اسم فرد استطاع ان ينقل بجهده وقيادته وتصوره وتخطيطه وتنفيذه مجتمعاً بأسره من طور حضاري معين الى طور حضاري آخر اكثر تطوراً ، ذلك لأن نقل المجتمعات عبر الاطوار الحضارية المختلفة عمل تتعاون على صنعه الاجيال ، ومع ذلك فقد صنع عبد العزيز وحده هذا الانجاز لأنه كان اكثر من ملك ، واكثر من مؤسس دولة ، واكثر من بطل موهوب ، واكثر من قائد ملهم ، واكثر من سياسي فذ ، واكثر من مصلح وامام وانما كان عبد العزيز رحمه الله كل هؤلاء مجتمعين في شخص واحد ) ( الطبعة الاولى 1965م ص7 ) @ و عبد العزيز - كما جاء في كتاب ( السعوديون .. والحل الاسلامي ) لمؤلفه محمد جلال كشك : ( بدأ ظاهرة مخالفة لقوانين التاريخ .. وحده كان يطرح الحل الاسلامي وينتصر .. وحده كان يرفع شعارات اعتقد البعض انها اصبحت في ذمة التاريخ وفقدت مفعولها فاذا بها في معسكر عبدالعزيز تفعل الاعاجيب وتثبت انها وحدها التي استطاعت ان تحقق انجازاً هو الذي بقي بينما تلاشت اوهام الذين تخلوا عن الاسلام في مطلع القرن العشرين بأمل النجاة من الاسترقاق الاوروبي او تحقيق التقدم المادي ) . @ ترك الملك المؤسس قبل ان ينتقل الى جوار ربه ارثاً كبيراً .. ومسؤوليات ضخمة .. وامانة عظمى حملها خلفاؤه وشعبه من بعده من اجل استقرار هذا الكيان ووحدته ارضاً وشعباً ونهضته وامنه واستقراره .. امانة تقلدوها على مر الايام وتعاقب السنين .. في مواقف .. وشواهد لا حصر لها .. ونسيج قوي وصامد يربط ابناء هذا الوطن قيادة ومواطنين بعضهم ببعض .. وليس ابلغ من الماضي حجة .. ومن الواقع سنداً ومن الاحداث دليلاً .. وهذا الوطن .. هذا اليوم .. وغداً وفي زحمة الاحداث المتلاحقة والاوضاع القائمة هو احوج ما يكون الى العمل الجاد المثمر والبناء .. ومراجعة شاملة لاوضاعنا الاجتماعية .. والاقتصادية والثقافية دون محاباة او مجاملة تضع اليد على مكمن الخلل ليتلقى تالياً العلاج الحاسم القاطع المانع .. فالمشاعر وحدها لاتكفي . @ في هذا اليوم .. يوم الوطن الذي نستشعر فرحة وحدته .. وطننا مستهدف في وحدته .. وامنه .. واستقراره من جهات معروفة .. واخرى تتآمر من خلف الستار .. تختلف في العناوين .. والاساليب .. وتتفق في حلف غير مقدس على الاهداف !! تعمل دون كلل او ملل .. وبكل الطاقات والقدرات على دس اسافين التفرق بين ابناء الشعب الواحد والوطن الواحد !! يريدون ان يلهونا بصراعات جانبية يعتاشون من ورائها ويعيثون في الارض فساداً !! هذا اليوم .. يوم الوطن ليس امامنا - ورب الكعبة - الا ان نكون اكثر وعياً ويقظة واحساساً بالمسؤولية الوطنية فنعمل يداً بيد وعلى قلب رجل واحد لنفوت الفرصة على الاعداء بدعم الجبهة الداخلية .. وتعزيز الوحدة الوطنية .. والدفع باتجاه الحوار والمصارحة بين اطياف المجتمع ومكوناته .. واحترام الاختلاف .. وتكريس حرية الرأي ضمن الثوابت الايمانية والوطنية .. تستطلع الخبء الذي في الصدور .. وتسمي الاشياء باسمائها .. واضطلاع المرأة - وهي نصف المجتمع - بدورها الاسلامي وواجباتها الوطنية والانسانية دون تهميش. @ واليوم وقد شوهت صورة الاسلام النقية نقاء الاسلام في اصوله وفروعه يتعين علينا اللجوء الى علمائنا الاجلاء .. ورثة الانبياء في كل ما يشكل علينا من امور ديننا ودنيانا .. وينتظر من طلبة العلم الشرعي - كما يقول في كلمة توجيهية لطلبة العلم والدعاة والوعاظ والمرشدين معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ .. وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد وهو من هو في علمه وفضله ولا ازكيه على الله - : ( الانتباه في كلماتهم الى ما ينفع الناس .. والحذر من شحن النفوس وهم لا يعرفون ماذا ستكون ابعاد هذا الشحن الذي قد لا يكون منضبطاً بالضابط الشرعي ... ) يجب علينا ان نفرّق بين العالم الراسخ في العلم الذي لا يرجو الا وجه الله والدار الآخرة .. وادعياء العلم الشرعي الذين جرت على ألسنتهم فتاوى التكفير والقتل والتخريب واستحلال دم المسلم والمستأمن دون حق شرعي .. وان نتمسك بصحيح الاسلام ووسطيته وسماحته . @ في يوم الوطن .. ومن اجل هذا الوطن يتعين ان نتمثل الاسس التي قام عليها هذا الكيان الكبيرعلى يدي الملك المؤسس - رحمه الله - الذي استقاه من المنهج الالهي كتاباً .. وسنة ونعمل في ضوئها دون تمييز او ازدواجية ومن ابرزها العدل .. والتراحم .. والتلاحم .. والمساواة .. و التسامح .. وهي المقومات التي اكدها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - بمناسبة صدور النظام الاساسي للحكم ونظامي مجلس الشورى والمناطق في 27/8/1412ه - 11/3/1992م .. بقوله : ( ... ان العلاقة بين المواطنين وولاة امرهم قامت على اسس راسخة ، وتقاليد عريقة ، من الحب والتراحم والعدل والاحترام المتبادل والولاء النابع من قناعات حرة عميقة الجذور في وجدان ابناء هذه البلاد عبر الاجيال المتعاقبة فلا فرق بين حاكم ومحكوم ، فالكل سواسية امام شرع الله .. والكل سواسية في حب هذا الوطن والحرص على سلامته ووحدته وعزته وتقدمه ، وولي الأمر له حقوق وعليه واجبات ، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم محكومة اولاً واخيراً بشرع الله كما جاء في كتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ... ) . @ وركز على هذه الحقيقة سمو ولي العهد الامير عبد الله بن عبد العزيز - رعاه الله - في خطابه للمشاركين في اللقاء الوطني للحوار الفكري في جلسته الافتتاحية قائلاً : ( ايها الاخوة الافاضل لايخفى عليكم وقد اجتمعتم في هذا اليوم المبارك لهدف نبيل وغاية شريفة ما يحدق ببلادنا من اخطار وما تمر به من ظروف دقيقة حرجة وماتعانيه من ضغوط وما تواجهه من هجمات شرسة تمس العقيدة وتهدد الوحدة الوطنية وتعرضها للاختراق من قبل الاعداء الأمر الذي يوجب على كل مخلص من ابنائها ان يبذل اقصى الجهد والاجتهاد للتصدي لمحاولات النيل من وحدتها والمساس بأمنها واستقرارها وتهديد مصالحها وان يتنبه كل ذي لب لعوامل التنافر والشقاق وظهور العداوات سواء من العصبيات القبلية او النعرات الاقليمية او الاختلافات الفكرية او أي شكل من اشكال الغلو والتطرف ... ) . @ الوطن اليوم .. يدعونا الى ان نبادر خفافاً وثقالاً الى تغليب مصلحته وامنه واستقراره لنجعله اكثر رسوخاً .. وشموخاً .. وقوة نستمدها من القيم .. والثوابت التي ارتفع بها .. وارتقى اليها .. نقتبس في يوم ذكراه من عبر الماضي ما ينير لنا الطريق .. ويسدد الخطى .