يزدان الوطن هذه الأيام بمناسبة عزيزة على قلوب أبنائه، مناسبة تتجدد فيها مشاعر الولاء والوفاء والإخلاص، مناسبة تؤكد على التلاحم والوحدة بين المواطنين كافة، مناسبة نجتمع فيها على وحدة المنطلق ووحدة الهدف، ونشكر فيها جميعاً نعمة الله على هذه البلاد من أمن وأمان واستقرار ورخاء ووحدة وقيادة رشيدة، ونتبادل فيها الشعور بالعزة والكرامة وفخر الانتماء، مستذكرين ما بذله مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ورجاله من جميع أنحاء الوطن من جهود وتضحيات في سبيل إعلاء راية التوحيد وتطبيق الشريعة وتحويل مجتمع مشتت إلى وطن موحد، إنها مناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية. إن التألق الذي يصاحب هذه المناسبة يعود إلى ما يمثله هذا اليوم لابن الوطن من معاني تجعله يعتبر أنه يوم للوطن وللمواطن، مع ما يصاحبه من شعور بالاعتزاز بسبب الانتماء لهذه البلاد المباركة، وهو انتماء يحمل في طياته إحساساً بالمسؤولية تجاه كل ذرة تراب احتواها هذا الكيان العظيم، واستشعاراً بأهمية مقدراته ومعطياته تنبع من ثقة كل فرد في بلادنا أنه شريك فاعل في مسيرة التنمية التي تتقدم بشكل مطرد تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز - حفظهم الله. ولا شك أنه حينما يُذكر اليوم الوطني فإن الذاكرة تنتقل إلى صور بطولات وملاحم سطرها جيل كامل اقتنع بإرادته الحرة بأهمية تلاحم هذا الوطن وتعاضده ووحدته، فبذل الغالي والنفيس لأجل تحقيق هدف الوحدة والاستقرار، بعدما عانى لقرون من التشتت والصراعات والاضطرابات، ورأى في القائد الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود خير من يحمل هذا العبء الذي تنوء به الجبال، لما توسمه فيه من مزايا الحنكة والشجاعة والعزيمة ومخافة الله وتحليه بمكارم الأخلاق العربية الأصيلة، ولما تحمله عائلته الكريمة من تاريخ مشرف جعلها محط الآمال في حياة أفضل. واهتم الملك المؤسس بإيجاد تغير كبير في حياة شعب المملكة العربية السعودية من حياة اليوم الواحد إلى الشعور بالمستقبل وربطه بالأرض والدولة ومبادئها السامية، بتوثيق العلاقة بينهما، وكان من ذلك ما قام به -طيب الله ثراه- من تكوين الهجر وتوطين البادية في رؤية بعيدة المدى لم تكن مستوعبة في وقتها. وهذا واضح من أقوال المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي كثيراً ما يشير إلى ذلك مع ارتباط قيام الدولة واستمراريتها بتطبيق تعاليم الإسلام التي لا يمكن التساهل بها أو تعطيل دورها في تنظيم حياة المجتمع. ومن الملامح السعودية المهمة أيضاً تلك اللحمة والمحبة بين الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وشعبه الممتدة إلى يومنا هذا في أبنائه الملوك، فقد مرت على البلاد سنوات مرض وسنوات جوع بسبب قلة الموارد وجفاف البيئة، ومنها ما كان بفعل الحرب العالمية الثانية، فوقف الملك عبدالعزيز بكل ما يملك من حب وما تملكه الدولة من مقدرات مالية رغم ضعفها آنذاك لمعالجة تلك الأوضاع الصعبة وتجنيب المجتمع ويلات الحروب والتي كان من أكبر تداعياتها الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مرت بها المنطقة. كان للملك المؤسس جهود عظيمة في احتواء الأزمة ومعالجتها بكل الإمكانيات المتاحة ليصبح شعبه مستقراً وآمناً. وملمح آخر مهم هو أن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- نجح في نقل الأرض وإنسانها في الجزيرة العربية إلى الاهتمام الدولي بعد أن برز دورها في خدمة الإسلام والمسلمين باعتبارها حامية وخادمة للأماكن المقدسة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة. وملمح آخر هو أن إنشاء دولة حديثة وهي المملكة العربية السعودية أوجد نوعاً من التوازن السياسي والاجتماعي في المنطقة مما أدى إلى استقرار سياسي جعل المملكة العربية السعودية تسعى في خطط تنموية وتنافسية طوَّرت خلال القرن الماضي كثيراً من الجوانب الحضارية والاجتماعية والاقتصادية دون اهتزاز في القيمة الإنسانية. استمرت البلاد منذ عهد المؤسس إلى يومنا هذا وستستمر بإذن الله حتى نالت كل تقدم وحضارة وتطور بفضل الحنكة السياسية التي قامت عليها المملكة أول ما قامت والتطلعات الحضارية التي كان يراها الملك عبدالعزيز وهو يقود البلاد نحو إنسان ووطن حضاريين، ونشهد أبهى صوره المتقدمة في عهد خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- التي وصل فيها الصوت السعودي الحكيم إلى مراتب عليا في الأحداث العليا وحقق الإنجاز الحضاري تقدماً كبيراً وواضحاً على المستويات كافة. لنا الحق كل الحق أن نغتبط ونفرح بذكرى اليوم الوطني لدلالاته الحاضرة التي أبرزها اللحمة الوطنية، وهذا الحب المتبادل بين القيادة والمجتمع الذي أثمر عن إنجازات حضارية أبرزها القيمة النوعية للإنسان السعودي، ولنا الحق بأن يكون حجم فرحتنا بحجم المنجز بين اليوم الوطني واليوم الوطني الذي يليه بإذن الله. ملامحنا هذه سعودية وستظل بإذن الله طالما حفظ الله وطننا وشعبنا وقيادتنا الرشيدة وأُسس هذه البلاد. والله الموفق،، د. فهد بن عبدالله السماري - أمين عام دارة الملك عبدالعزيز