قد تعجز الحروف والكلمات، مهما كانت مسبوكة، أو مزخرفة، أو كانت أنيقة ومُنمقة، عن إيفاء هذا الوطن حقه في احتفائنا بيوم تأسيسه، وتوحيده، وهو يومٌ استثنائي بامتياز، نستذكرُ في فعالياته جهود الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيَّب الله ثراه، ورفاقه من أبناء شعب الجزيرة العربية، وصولاتهم الجهادية الكبرى، راكبين كل صعبٍ وذلول، في سبيل هدفهم النبيل في جمع شتات هذه الجزيرة في كيان واحدٍ موحد، بقبائله، وطوائفه، تحت اسم المملكة العربية السعودية. لقد نجحت إرادة السعوديين، بعونٍ من الله وتوفيقه، في تحويل شبه الجزيرة العربية إلى أرضٍ آمنة، وواحة مستقرة ومزدهرة ومطمئنة، وقيمة حضارية عالية، ومنارة للعلم والمعرفة، والنمو والتنمية، بعد أن ظلتْ لقرونٍ وأزمنة عديدة، ترزخ تحت وطأة الخوف والاقتتال والفوضى، والجوع والفقر والجهل، والتمزق والتشرذم، والتفرق شَذَرَ مَذَرَ. وإذ نحتفي بهذا اليوم العزيز على قلوبنا ومشاعرنا، ونحتفل، فإنَّ رابطة المنشأ والتكوين والدم والتاريخ، ومعاني الوطنية، وأصالة الانتماء، تدعونا جميعاً في هذا اليوم الأغر، كباراً وصغاراً، شيوخاً وشباباً، رجالاً ونساءً، قيادة وشعباً، لرفد هذا الكيان الكبير، بكل ما يحفظ حدوده وسماءه، وسهوله وحبَّات رمله، وأمواله وموارده، ويُعزز وحدته واستقراره، ورفاهيته ومكتسباته. وهذا لن يتأتى إلا بالعمل على إحياء وتنمية كل القِيم النبيلة الراعية لحوافِّ هذا الكيان ووسطه ومحيطه، وفي مقدمتها قِيم: العدل، والشفافية، والمصداقية، والمساواة، وتكافؤ الفرص، واحترام حقوق الإنسان السعودي في وطنه، فهي الكفيلة بنفض غبار البيروقراطية والمحسوبية، والانتهازية الضيقة، والفساد، وكل الممارسات التي تعبث بمصالح المواطنين وحقوقهم المادية والمعنوية، وتحول دون تمتعهم بخيرات وطنهم، على امتداد مدنه، ومحافظاته، وقُراه، وهجره. إنَّنا في حاجةٍ مُلحةٍ في ذكرى هذا اليوم الأغر لوقفة تأملٍ، ومراجعة رشيدة، لكل آليات إدارة العمل العام، والتركيز على الأولويات ذات الصِّلة بالاحتياجات الاقتصادية والمعيشية لجمهرة أبناء الوطن، لجهة تحسين وتطوير منظومة الخدمات الصحية، والتعليمية، والاجتماعية، والعدلية، خاصَّة في المدن والمحافظات والمراكز الأقل نمواً، ومعالجة جذور مشكلات وأزمات الفقر، والفساد، والبطالة، والإسكان... إلخ. في هذا اليوم الأغر، ليسمح لي القارئ الكريم، بالحديث خاصَّة، عن مسألة (حرية الرأي والتعبير) وهي بطبيعة الحال على درجة عالية من الأهمية، فهي أيقونة حراكنا الفكري والثقافي والمعرفي، وأداتنا الرئيسة، لبيان الحق والحقيقة، في عالمٍ يموج ويصطخب بالكذب، والتضليل، والعبث، بأمانة الكلمة ومصداقيتها. فأكثر ما يؤلم، كل صاحب قلمٍ حر، ورأيٍ موضوعي، أنْ تسود فضاء الكلمة الحرة أجواء الإقصاء والاستبعاد، والكراهية والتَّعصُب، والفجور في الخصومة، وهي سلوكيات طاردة لكل فكرٍ أو رأيٍ مخالف. وفي تقديري أنَّ الدولة، وولاة الأمر، وفقهم الله، على مسافة واحدة من الجميع، وهم يدركون ويؤمنون بحق كل مواطن في التعبير عن رأيه، بكل شفافية، باعتبار ذلك سنة محمودة، وظاهرة صحية ومعتبرة، ومفيدة لمتخذي القرار لجهة تعديل سياستهم، أو أولوياتهم. ومن ثمَّ نأمل ونأمل أنْ تظلَّ الكلمة الحرة، بموضوعيتها، ومرجعيتها الوطنية الصادقة، حجر عثرة، أمام كل المحاولات العبثية لغمسها في وحل الانتهازية، بكل صورها وأشكالها وأنماطها، والتي لا تخدم قطعاً مصالح الوطن، والمواطنين. كلمة أخيرة: الكلمة الحرة الصادقة، منطلق الوطن والمواطن، للرقي المعرفي، والحضاري، وقبل ذلك منطلقٌ للعزة والكرامة، والحياة الحافلة بالعطاء والإبداع. وكل ذلك رافدٌ أساس، يدفع بالوطن نحو المزيد من التَّقدم والارتقاء، في الداخل والخارج، ويحفظ استقراره، ويحول بينه، وبين تقلبات زماننا المضطرب. وفي ذلك إثراءٌ للحاضر، واستشرافٌ للمستقبل، بكل ثقةٍ واطمئنان. خاطرة: في يوم الوطن أملٌ بغدٍ أكثر عدلاً وإشراقاً، وأكثر طمأنينة وازدهارا.